الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، ومن تبعهم واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد .
في الإسلام عيدان هما الفطر والأضحى ، وما عدا ذلك فإنهما مناسبات وذكريات ، وأن الذكرى لتنفع المؤمنين .
أما ما سمي بعيد العمال الذي يحتفل به في الأول من آيار ، فما هو إلا ذكرى لثورة عمال أمريكا على الظلم عام 1887م ، حيث كانوا مستعبدين ، حقوقهم منقوصة أو مهضومة .
أما في الإسلام ، فلا نقص في الحقوق ولا هضم ، حيث أعطى كل ذي حق حقه ، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) ،فالمسلم رقيب على نفسه ، وليس بحاجة لرقابة أحد ، فهو يعلم أن الله عز وجل مطلع على السرائر ، فلا مجال للغش أو الاستغلال .
فالعامل مؤمن بإتقان عمله ، منفذ لقوله – صلى الله عليه وسلم – ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) وصاحب العمل مؤمن بأداء حق العامل ، منفذ لقوله – صلى الله عليه وسلم – ( أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) .
هذا هو الإسلام ،عطاء صادق ، وأجر غير منقوص ، ومن هنا لم يكن العمال المسلمون بحاجة إلى ثورة على أرباب العمل ، لأن الإسلام قد كفل لهم الحقوق ، وأما ما قد يحدث من ذلك ، فإنما هو نتيجة لإخلال أحد الطرفين بمبدأ العدل الإسلامي ، فأما أن يهمل العامل في عمله ، وإما أن يستغل رب العمل عماله ، والإسلام بريء من ذلك الإخلال في الحالتين كلتيهما .
فالإيمان والعمل الصالح متلازمان ، والمؤمن لا يعمل إلا صالحا ، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} (2) ، فحتى ينال المسلم الجنة لا بد أن يسلك سبيل الصلاح في تصرفاته وأعماله كلها ، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، لكن الإيمان بما وقر في القلب وصدقه العمل ، فسلعة الله غالية ، إلا إن سلعة الله الجنة .
والعمل في الإسلام يجب أن يكون عملاً مشروعاً لا يتطرق إلى الضرر ولا يتطرق إليه الحرام ، ولنا في قصة البنت الصالحة مثال رائع ، حيث سمعها الخليفة عمر وهو يتفقد الرعية فجراً ، ترفض طلب أمها أن تخلط الحليب ماء ليزداد كماً وحجماً ، قائلة لها : إن كان أمير المؤمنين بعيداً عنا فإن رب أمير المؤمنين قريب ، فإن نجونا من عقاب الدنيا فلن ننجو من عقاب الآخرة ، يوم يقوم الناس لرب العالمين .
والحياة لا تستقر إلا بالعمل ، ولا يحترم الناس إلا العامل المجد ، فقد قال الفاروق – رضي الله عنه – أرى الرجل فيعجبني ، فأسأل :أله عمل ؟ فإن قالوا لا ، سقط من عيني .
والأحاديث الشريفة تعلي من شأن العمل الطيب وتبين فضله ، فقد قال – صلى الله عليه وسلم- : لو قامت القيامة في يد أحدكم فسيلة فليغرسها ، ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ، من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له ، ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده .
ومن هنا كانت أمة الإسلام أمة عالمة عاملة ،سطع في سمائها العلماء الأفذاذ في كل فرع من فروع المعرفة ، وراح العاملون من أبناء الأمة يعملون على تطبيق تلك العلوم في مختلف مناحي الحياة من صناعة واختراع ، مهد لحضارة بشرية راقية ، تنبه لها الغرب في وقت انشغل فيه المسلمون بالملاذ الدنيوية ، حتى صاروا مستوردين بعد أن كانوا المصدر الأول والأوحد للتصدير .
وهنا نحن نرى العمال الفلسطينيين -في هذه المرحلة الحرجة من بناء دولتنا الفتية –يتعرضون للبطالة ، ولضيق ذات اليد ، وما كانوا ليقعدوا عن العمل لو أتيحت لهم الفرص، ولو بنيت لهم المنشآت والمصانع التي هي بحاجة إلى أموال ضخمة لإقامتها.
وهنا يأتي دور الأشقاء عملاً بقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم " .
فمن كان معه فضل ظهر فيلعد به على من لا ظهر له .
فديننا دين تراحم وتكافل وتعاضد ، والمرابطون في أرض فلسطين العزيزة يستحقون كل دعم من إخوانهم مادياً ومعنوياً ليصلحوا ما أفسده المحتلون ، وليبنوا ما دمروه من مصانع وبيوت ومنشآت ، ولييسروا أسباب العيش للأسر الفقيرة والتي حرمت من معيليها ومن مصادر أرزاقها ،والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه .
الهوامش :
1- سورة التوبة آية 105 2- سورة الكهف آية 107 |