الحمد لله ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، ومن تبعهم واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد .
يكفي الوقت فخراً ، عناية القرآن الكريم بذكره في مواضع عديدة ، فقد قال تعالى : { الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } (1) {وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } (2) {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } (4) .
{لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (5) .
وحتى ينهض هذا الشعب المكافح ، وتأخذ دولته العتيدة مكانتها بين الدول ، لا بد لأبنائه من استغلال الوقت ، واجتهادهم في الاستفادة من كل دقيقة من دقائقه ، وأخص بالذكر طلاب المدارس الذين يقضون ربع العام الدراسي في إجازة صيفية ، وضعت بعد دراسة مستفيضة ، تبعاً للمناخ الذي تشتد حرارته في فصل الصيف ، ولا يعني ذلك الركون إلى تضييع الوقت بكل طريقة ممكنة ،بل يجب الاستفادة منه فيما يعود بالنفع على الطالب وعلى أسرته ومجتمعه في آن معاً .
قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (6) ، فقضاء الوقت في الصلاة وفي الدعاء عبادة ، وقضاؤه في العمل الشريف لتحصيل الرزق عبادة ، وقضاؤه في تعلم ما أمر الله به عبادة ، فكيف يمكن لطلاب المدارس أن يجعلوا من عطلتهم الصيفية عبادة ؟ .
هناك الدورات التعليمية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم ، وهناك المخيمات الصيفية التي توسع مدارك المنتسبين اليها وتنقلهم إلى آفاق أرحب ، وتزيد من معلوماتهم وقدراتهم ومعارفهم ونشاطهم ، وهناك الرياضيات المشروعة ، وما زلنا نذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل " .
وليس معنى ذلك أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة ، فنسبح في الأماكن الخطرة ، ونلقي بأنفسنا في البحار دون أن نكون على علم بمهارات السباحة ، بل علينا أن نلتزم بالإرشادات والنصائح التي تحمينا من الوقوع في الأخطاء القاتلة ، فكم من شاب فقدناه غرقاً لجهله بقوانين السباحة وأصولها ، أو لاختياره مكاناً محظوراً عليه السباحة فيه .
إن السباحة رياضة ومتعة ، علينا استغلالها لإفادة أنفسنا لا للإضرار بها ، ويكون ذلك بممارستها ممارسة ذكية واعية ، تبعد عنا ما قد تقع فيه الأسر من كوارث ومصائب نتيجة لاستهانة الشباب وأرباب الأسر بالإرشادات التي تنبهنا إلى البعد عن الوقوع في الإخطار المحتملة ، من وجود صخور حادة ، أو برك عميقة ،أو عوامات خطيرة أو أمواج عاتية ، أو مخلوقات مفترسة .
وها هم أجدادنا الأوائل قد أبدعوا علماً وادباً ، وتركوا لنا وللناس أجمعين أرقى الكتب العلمية والأدبية ن والتي ما زال بعضها حتى الآن يدرس في جامعات الغرب والشرق ، ومنهم الفارابي وابن رشد وابن النفيس والخوارزمي ، وغيرهم كثير كثير ، كلهم قد آمنوا بأهمية الوقت وانتبهوا لما يكسبهم من فخر واعتزاز وتقدم وتحضر ، وها هو ابن خلدون عند نفيه إلى الصحراء الكبرى يكتب مقدمته المشهورة ، وذلك ياقوت الحموي الذي كان يذهب تاجراً بين البلدان ، لم يخلد إلى الراحة بعد المتاجرة ، بل راح يسجل كل ما يشاهده في البلدان التي يزورها ، حتى ألف كتابه القيم معجم البلدان ، وذاك أبو تمام الذي قضى وقته ، وقد حجزه الثلج عن الرجوع إلى بلده – بتأليف ديوان الحماسة .
هذا هو الوقت ، فلينا استغلاله قبل النفاد ، وكما قال شوقي :
دقـات قـلب المـرء قائلـة له إن الحيـاة دقائـق وثوان
وقد صدق الشاعر حين قال :
إذا عاش الفتى ستيـن عامـــا فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف يذهب ليس يدري لغفلتـه يميـناً أو شمـال
وباقـي العمـر آمـال وحـرص وشغـل بالمكاسب والعيال
وهكذا يستمر الإنسان في حياته ، والعاقل هو من يحسب حساباً لآخرته ، فإن له أجلاً إذا جاء لا يؤخر ، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } (7) .
وليس من شك في أن نتائج الدراسة الثانوية التي ظهرت حديثاً تفسر عناية الطلاب بالوقت أو إهمالهم له ، فالمتفرقون هم أناس لم يضيعوا وقتهم عبثاً وحسبوا جيداً حساب هذه اللحظة التي تظهر فيها نتائجهم فكانوا في سعادة غامرة ، أما الآخرون فلم يأخذوا ذلك بالحسبان ، وأضاءوا الثمين من أوقاتهم ، ولات ساعة مندم .
فمن يقضى وقته في العمل المثمر المشروع ، يسعد بالنتيجة ، ومن قضاه في اللهو واللعب دون أن يلقي بالا للنتيجة فهو من الغافلين والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الهوامش :
1- سورة هود آية 7
2- سورة الانعام آية 73
3- سورة المطففين آية 6
4- سورة المعارج آية 43
5- سورة غافر آية 17
6- سورة الذاريات آية 56
7- سورة الأنبياء آية 47 |