2023-09-22

نصرة النبي – صلى الله عليه وسلم -
2012-09-21

الخطبة الأولى :

أيها المسلمون :

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.

تتناقل وسائل الإعلام في هذه الأيام موضوع الفيلم المسيء للرسول –صلى الله عليه وسلم-،  وكذلك ما  نشرته مجلة "شارلي هيبدو" الفرنسية الساخرة في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي، حيث نشرت رسوماً كاريكاتورية مسيئة للنبي –صلى الله عليه وسلم-، وهذه الرسوم تُعتبر إساءة جديدة للرسول- عليه الصلاة والسلام- تُضاف إلي الفيلم المسيء للرسول –صلى الله عليه وسلم- والذي تم إنتاجه في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أثار موجة من الغضب الشديد في العالم الإسلامي خلال الأيام الماضية، كما تُضاف إلي ما قامت به الصحف الدنماركية قبل سنوات من نشر للرسوم المسيئة للرسول –صلى الله عليه وسلم-.

 إن تلك الأعمال تُعد جريمة كبرى وتطاولاً على الرسول – صلى الله عليه وسلم - ،وعلى الإسلام والمسلمين، وتثير الضغائن والفتن والكراهية بين الشعوب، كما أنها تدل على ما يضمره أولئك من حقد دفين على الإسلام ورسول الإسلام – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين عامة .

إن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يحبون نبيهم –صلى الله عليه وسلم- ويفدونه بالغالي والنفيس، كيف لا ؟! وهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، فمن أطاعه – صلى الله عليه وسلم – دخل الجنة كما قال الشاعر:

        من أراد النجاة غداً                    فَلْيُطعِ النبيَّ محمداً

ورحم الله القائل :

    إن شِئْتموا أن تَسْلموا                  يوم الحساب وتُرحموا

    وتُنَعَّمـوا وتُكَرَّمـوا                       فلهدي أحمد فالزموا

    وإذا سمعتم ذكره                         صَلـّوا عليه وَسَلّموا

أيها المسلمون :

 إن ديننا الإسلامي الحنيف يوجب علينا حبّ رسولنا – صلى الله عليه وسلم - :

أليس هو النبي الذي رفع الله ذكره، كما في قوله تعالى:  {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} .

أليس هو الذي قرن الله طاعته بطاعته، فقال :  {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} .

أليس هو الذي قرن الله محبته بالسير على هديه، فقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} .

أليس هو الذي سيندم العصاة على مخالفته، كما في قوله تعالى : {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا}.

أليس هو الذي أمر الله المؤمنين بالصلاة والسلام عليه ، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .

إننا نستنكر جميع هذه الأعمال الإجرامية التي تنشر الكراهية والحقد بين الشعوب، حيث إنها تأتي استمراراً لمهازل التطاول على الدين الإسلامي الحنيف وعلى رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم-،كما أنها تأتي ضمن محاولات المجرمين عبر التاريخ للنيل من الرسول – صلى الله عليه وسلم – ،ولكن أَنَّى لهم ذلك ، فكما قال الشاعر :

   كناطح صخرة يوماً ليوهنها         فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

أيها المسلمون :

 إن قائمة المُتطاولين على رسولنا الكريم  - صلى الله عليه وسلم قديما وحديثاً طويلة، مليئة بالمجرمين المستهزئين ، ولكن يجب علينا أن نعلم بأن المصير المحتوم ينتظر كل طاعن ومستهزئ، ومهما تقاعَسَ المُسلمون عن نُصْرَةِ نَبِيِّهم – صلى الله عليه وسلم - ؛ فالكون كله سينتصرُ لحبيبنا ورسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم -  ، كما قال ربنا سبحانه وتعالى  {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.

لقد درج أعداء الإسلام على التشكيك في نبي الإسلام ، والطعن في رسالته – صلى الله عليه وسلم– ينتحلون الأكاذيب والأباطيل ، ليشككوا المسلمين في دينهم ، ويبعدوا الناس عن الإيمان برسالته – صلى الله عليه وسلم - ، كما قال تعالى :  {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}.

 فهؤلاء يريدون القضاء على الرسالة الإسلامية ، والنيل من صاحبها – عليه الصلاة والسلام – كما قال تعالى : {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *   هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.

أيها المسلمون :

إن هذه الأعمال الإجرامية تأتي امتداداً لما قامت به ملكة بريطانيا ( إليزابيت الثانية ) قبل سنوات عندما منحت لقبل ( الفارس ) إلى صاحب رواية ( آيات شيطانية ) سلمان رشدي ، حيث تضمنت الرواية افتراءات وأكاذيب حول الإسلام ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ،وكذلك ما تلفظ به بابا الفاتيكان ضد الإسلام، ونبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام - ، والقرآن الكريم،  عندما قال: بأن القرآن الكريم يحث المسلمين على القتال وأن الإسلام قد إنتشر بالسيف  ، ولكنه يتناسى ويتغافل  عن سماحة الإسلام وعدله ، وأن الإسلام لم ينتشر بالسيف لأنه لو انتشر بالسيف لزال الإسلام يوم أن زال السيف ،فمن الثابت تاريخياً وواقعياً ، أن المسلمين لم يلجأوا في يوم من الأيام إلى إكراه أحد إلى الدخول في الإسلام ، وإنما كانوا إذا فتحوا بلداً من البلاد عرضوا على أهله الإسلام ، فإن دخلوا فيه عن اقتناع فبها ، ونعمت ، وإن أبوا إلا البقاء على دينهم وعقيدتهم ، تركوهم وشأنهم ، وعاملوهم بالمعاملة العادلة التي قررتها شريعة الإسلام ، كما قال تعالى : ( {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ  مِنَ الْغَيِّ ٌ}، ولكن ليس معنى حرية العقيدة الدينية أن يفعل الإنسان ما يؤذي مشاعر الآخرين الذين يخالفونه في العقيدة ، أو أن يعتدي على مقدساتهم الدينية ، أو أن يستهزئ بطقوسهم الدينية ،  وها نحن اليوم نرى دولاً  مثل بريطانيا كانت الشمس لا تغيب عن ملكها ، فلما زال سيفها زالت ، وانحصر ملكها ، أما الإسلام والحمد لله فإنه يزداد انتشاراً  في كل يوم ، ونرى يومياً الآلاف يدخلون في هذا الدين الحنيف في كافة أرجاء المعمورة .

إن عاقبة المستهزئين الذين يتطاولون على سيدنا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وخيمة في الدنيا والآخرة، فهناك من شُلَّت يده جزاء له على تكبره وتعاليه على توجيهات النبي – صلى الله عليه وسلم –، وهناك من مَزَّق خطاب النبي –صلى الله عليه وسلم- فمَزَّق الله ملكه، فالكون كله ينتصر لحبيبنا ورسولنا محمد –صلى الله عليه وسلم-، فالأطفال انتصروا لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر فقتلوا أبا جهل، والأسد انتصر لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقتل عتبة بن أبي لهب، وهناك من لفظته الأرض لأنه سب واستهزأ بالرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام - فكأنها تقول له : لا مكان في بطني لمن استهزأ بك يا رسول الله، فهل من معتبر أيها البشر ؟! .

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله ....

 

الخطبة الثانية :

أيها المسلمون :

إن التطاول على الديانات الأخرى أو أنبيائها ، يتناقض تماماً مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ، حيث إن الدين الإسلامي  يحترم جميع الأنبياء ويعرف فضلهم ، ويدعو المسلمين للإيمان بهم جميعاً ، وكذلك الإيمان بالكتب السماوية التي أنزلت عليهم ،  قال تعالى :{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ }  ، وقد سبق لنا أن نددنا بالأفلام التي عُرضت قبل سنوات في أوروبا، والتي تسيء إلى سيدنا عيسى " عليه السلام "  وأمه مريم البتول.

لذلك فإننا ندعو الأمم المتحدة إلي ضرورة إصدار قانون يجرم الإساءة إلي الأنبياء والمرسلين –عليهم الصلاة والسلام-، كما ونطالب منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي والأزهر الشريف وأحرار العالم والمجتمع الدولي ، بضرورة الوقوف جنباً إلى جنب للتصدي لهذه الهجمة السافرة التي تمس المليار ونصف المليار من المسلمين، وتهدف إلى بث الفتن  والضغائن  بين الشعوب.

ونحن هنا نتساءل:  ما موقف المليار ونصف المليار مسلم من الإساءات المتكررة بحق رسولنا – عليه الصلاة والسلام - ؟!، وما موقف الأمة لو أن هذه الإساءات كانت بحق رئيس أو ملك أو أمير ؟! ، لرأينا سحب السفراء، وقطع العلاقات !! ، فيا أمة الإسلام هل هناك أغلى من الحبيب – صلى الله عليه وسلم - ؟! ، فعلينا أن نبرهن على حبنا ونصرتنا للرسول – صلى الله عليه وسلم – وأن نردد دائماً : اللهم أحينا على سنته ، وأمتنا  على ملته، واحشرنا في زمرته ، واسقنا يا رب  من حوضه الشريف شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً ... آمين ..يارب العالمين .

أيها المسلمون :

 إن ما يحدث في فلسطين من اعتداءات إجرامية من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المقدسات من مساجد ومقابر وكنائس يأتي ضمن سلسلة الاعتداءات على الإسلام والمسلمين، حيث نرى حرق المساجد والكنائس وتحويل بعضها إلى متاحف وأماكن للهو والفجور وإقامة معارض للخمور كما حدث في مسجد بئر السبع الكبير ، كل ذلك وصولاً إلى هدفهم المنشود في هدم المسجد الأقصى المبارك وإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم على أنقاضه لا سمح الله .

ونحن هنا نتساءل:  كيف ننصر نبينا – صلى الله عليه وسلم - ؟ ننصره – صلى الله عليه وسلم - بإتباع سنته والسير على هديه ، وننصره بنشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، وننصره بالوحدة امتثالاً لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا  } .

إن العالم  اليوم لا مكان فيه للضعفاء ولا للمتفرقين، لذلك يجب علينا أن نجمع شملنا ونوحد كلمتنا ونرص صفوفنا ونتعالى على جراحاتنا ، ونفتح صفحة جديدة من الأخوة والمحبة والإخاء بين أبناء شعبنا الفلسطيني المرابط،  لنتمكن سوياً من التصدي للمؤامرات التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة.

 

أيها المسلمون :

لننظر إلى قضية الأسرى ،هذه القضية العظيمة التي يتوحد حولها شعبنا الفلسطيني ، فالأسرى الأبطال توحدوا على قلب رجل واحد ، فحققوا الإنجازات العظيمة ، حيث أنهوا قضية العزل الإنفرادي، كما سُمح لأهالي الأسرى في القطاع بزيارة ذويهم ، ومن المعلوم أن هؤلاء الأسرى الأبطال قد هزموا السجان بفضل الله أولاً ، ثم بوحدتهم وصبرهم ثانياً .

فالواجب علينا أن نكون إخوة متحابين ، وأن نتعاون على البر والتقوى كما قال العلماء : (نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ).

إن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – ينادينا، والأقصى المبارك ينادينا ، والقدس تنادينا، أن اجمعوا شملكم ووحدوا كلمتكم، فكل المؤامرات على شعبنا الفلسطيني تحطمت على صخرة الوحدة والاتحاد ، فلماذا لا نكون كما كنّا دائماً صفاً واحداً وجسداً واحداً.

اللهم اجمع شملنا، ووحد كلمتنا ، وألف بين قلوبنا، وأزل الغل من صدورنا بكرمك وفضلك يا أكرم الأكرمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .