الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة في حوار مع مجلة صدى القدس الصادرة عن وكالة بيت مال القدس – المملكة المغربية
* كيف تقيمون الأوضاع في القدس في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة؟
مازالت مدينة القدس تتعرض لمحنة من أشد المحن وأخطرها، فالمؤسسات فيها تغلق، والشخصيات الوطنية تلاحق، وآلاف المقدسيين يطردون، حيث صدر قرار بطرد أعضاء المجلس التشريعي المقدسيين ، كما وتفرض عليهم الضرائب الباهظة، وتهدم عشرات البيوت في شعفاط وسلوان والشيخ جراح ، حيث إن أكثر من (600) فلسطيني هدمت منازلهم في العام الماضي ، كما تم هدم عشرات البيوت في العام الجاري كان آخرها هدم عدد من البيوت والمنشآت في حي سلوان بالقدس ، كما تخطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي لهدم عشرات المنازل في حي البستان بالمدينة، بالإضافة إلى إغلاق المحلات التجارية في باب العامود، وإقامة الحدائق التلمودية في محاولة لتزييف التاريخ والحضارة ، كما أن الأرض تنهب، وجدار الفصل العنصري يلتهم الأرض، وكل معلم عربي يتعرض لخطر الإبادة والتهويد، وسلطات الاحتلال تشرع في بناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية لإحداث تغيير ديموغرافي في المدينة المقدسة من أجل إضفاء الطابع اليهودي عليها، وطمس ما يميز المدينة المقدسة من حضارة عربية وإسلامية يشهد بها التاريخ الإسلامي المشرق، بحيث يكون بعد سنوات نسبة السكان الفلسطينيين في المدينة المقدسة 12% بينما نسبة السكان اليهود 88%.
ومن المعلوم أن آخر المخططات الإسرائيلية في مدينة القدس،كان الموافقة على مخطط لبناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية الجديدة في المدينة المقدسة لاستقدام عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود للسكن في المدينة المقدسة، كما أن المسجد الأقصى المبارك يتعرض لهجمة شرسة، فمن حفريات أسفله، إلى إقامة مترو للأنفاق أسفله أيضا، إلى بناء كنس بجواره، حيث تم بناء وافتتاح كنيس الخراب بجوار المسجد الأقصى المبارك في منتصف شهر مارس 2010م، ليكون مقدمة لهدم الأقصى وإقامة ما يُسمّى بالهيكل المزعوم بدلاً منه لا سمح الله، وكذلك التخطيط لبناء أكبر كنيس يكون ملاصقاً للمسجد الأقصى المبارك ، إلى منع سدنته وحراسه وأصحابه من الوصول إليه، ناهيك عن الاقتحامات المتكررة للجماعات المتطرفة الإسرائيلية بصورة دائمة إلى باحات المسجد الأقصى المبارك تحت حراسة الجيش الإسرائيلي.
والشيء الخطير الذي ننبه الأمة العربية والإسلامية إليه، هو أداء الجماعات المتطرفة الإسرائيلية لطقوسهم الدينية وصلواتهم التلمودية، وهم يقرأون الترانيم داخل باحات المسجد الأقصى المبارك بحراسة الجيش الإسرائيلي، حيث تكرر هذا العمل بصورة كبيرة خلال الأسابيع الأخيرة، مع العلم أن هذه الجماعات تقتحم المسجد الأقصى تحت حراسة جيش الاحتلال، من خلال باب المغاربة الذي تسيطر عليه سلطات الاحتلال منذ عام 1967م.
لذلك فإننا نقرع اليوم أجراس الخطر أمام أبناء الأمتين العربية والإسلامية، فخطوات التهويد المتسارعة للمدينة المقدسة تسير بتنسيق كامل بين حكومة الاحتلال وأثرياء اليهود في العالم، حيث تم تخصيص ميزانية جديدة إضافة للميزانيات الأخرى، وهذا يدل دلالة واضحة على مدى استهدافهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، كما قاموا بخطوة مشتركة تهدف إلى تحقيق أمرين وهما :
الأول : تهجير الفلسطينيين من مدينة القدس، فهم لا يريدون أحداً من المقدسيين داخلها، حيث إنهم يدعمون الاقتصاد الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه يهدمون الاقتصاد الفلسطيني بشكل مستمر، كما أنهم يُقيمون البُنَى التحتية للمستوطنين الإسرائيليين، ويُضَيّقون في الوقت نفسه على الوجود الفلسطيني المقدسي داخل المدينة المقدسة.
والآخر: سعيهم المتواصل لاستكمال تهويد القدس بشكل كامل وخاصة منطقة حائط البراق،حيث تتعرض المنطقة إلى مجزرة دينية وحضارية جديدة تهدف إلى تغيير الواقع وتزييف التاريخ، فسلطات الاحتلال الإسرائيلي تعمد إلى إحداث تغيير شامل في منطقة المسجد الأقصى المبارك وخاصة ساحة البراق ، ومن المعلوم أن حائط البراق جزء أصيل من المسجد الأقصى المبارك وهو الحائط الذي ربط به الرسول – صلى الله عليه وسلم – دابته في ليلة الإسراء والمعراج، وليس كما يسمه اليهود زوراً وبهتاناً بحائط المبكى ، كما وأن الساحة المطلة عليه هي جزء من المسجد الأقصى المبارك وهي عبارة عن حارة المغاربة التي قام الإسرائيليون بهدمها وإزالتها بالكامل عام 1967م، حيث هدموا بيوتها وشردوا أهلها.
ومن المعلوم أن مخططات التهويد تُنَفَّذ يومياً وبشكل مستمر، وبتخطيط متقن على أعلى المستويات في الكيان الصهيوني، وذلك بهدف طمس جميع معالم الحضارة العربية والإسلامية في المدينة المقدسة، من خلال بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وفي الوقت نفسه هدم البيوت الفلسطينية في أحياء المدينة المقدسة ، مثل: سلوان وشعفاط والشيخ جراح ورأس العامود وسائر أنحاء المدينة المقدسة، وفرض الرسوم الباهظة على أي بناء يقيمه أهالي مدينة القدس .
* ألا يزعجكم انصراف العالم عن الاهتمام بالأوضاع في القدس بدعوى الانشغال بثورات ما يسمى بالربيع العربي وتأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية؟
لقد شهدت بعض الدول العربية ما بات يسمى بربيع الثورات العربية، وعلى الأمتين العربية والإسلامية الاستفادة من الطاقات الشبابية الثائرة واحتضانها وتوجيهها الوجهة السليمة، بما يخدم مصلحة العرب والمسلمين في المنطقة ، وكذلك العمل على حماية هذه الثورات وتدعيمها، والحرص على تسلحها بسلاح الإيمان والعقيدة والوحدة ورص الصفوف لمواجهة أعداء الأمة، وضرورة المحافظة على مقدرات الأمة العربية والإسلامية وممتلكاتها لتبقى قوية وشامخة .
و من خلال دراسة الواقع العربي اليوم، ومتابعة انعكاسات الثورات العربية على القضية الفلسطينية، حيث إن بعض الدول العربية التي قامت فيها هذه الثورات قد انشغلت بهمومها ومشكلاتها الداخلية عن قضية فلسطين وعلى رأسها مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحاول استغلال انشغال بعض الدول العربية بشؤونها الداخلية، وبالثورات المستمرة في بعض الدول العربية لتغيير الطابع العربي والإسلامي للمدينة المقدسة، وذلك بالقيام بالمزيد من التهويد ومصادرة الأراضي واضطهاد الشعب الفلسطيني، أما على المدى القريب إن شاء الله، فعندما تبدأ ثمار هذه الثورات في الظهور ، فإن الشعب الفلسطيني سيقطف هذه الثمار، وسيكون أثرها إيجابيًا إن شاء الله على القضية الفلسطينية، فمن المعلوم أن لهذه الثورات ما بعدها في تغيير المنطقة، فالثورات العربية التي أسهمت في تحرير شعوبها ستقرِّب بإذن الله تعالى تحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك، وذلك لأن الشعوب إذا لم تكن حرة أبية فإنها لن تتمكن من تحرير مقدساتها.
لذلك فإن واجب الأمة من علماء وقادة ومفكرين ومثقفين أن يلتفوا حول هذه الثورات، للعمل على حمايتها وحراستها،لتؤتي ثمارها الإيجابية ، وتحصد نتائجها الخيّرة ، كما يجب عليهم العمل على توجيهها لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية ، وذلك لئلا تُسْرق نتائجها، لأن أعداء الأمة من الغرب والشرق يبذلون جهودًا كبيرة ومخططات كثيرة، ليسرقوا نتائج هذه الثورات لصالحهم.
إن ما يحدث في المنطقة العربية من أحداث وتغييرات يجب أن يكون لها الأثر الواضح في دعم القدس والمقدسيين لمواجهة آلة البطش الإسرائيلية، لأننا على ثقة بأن قضية القدس والمقدسات هي قضية الشعوب العربية والإسلامية دون منازع ، وأن انتصار الشعوب العربية سيعجّل إن شاء الله في إنقاذ المدينة المقدسة من براثن الاحتلال.
وإننا إذ نغتنم اجتماع هذه التجمعات المباركة ، فإننا ندعو إلى مسيرات وتجمعات مليونية في جميع العواصم العربية تحت شعار ( كلنا فداك يا أقصى)، لنريَ المحتل الإسرائيلي أن الأمة العربية والإسلامية على أتم الاستعداد لتجود بالغالي والنفيس في سبيل تحرير مسرى نبيها محمد – صلى الله عليه وسلم - ، فأروا الله من أنفسكم خيراً أيها العرب والمسلمون الحريصون بإذن الله على استعادة مجد الأمة الإسلامية وسؤددها العريق .
وأما عن تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية على قضية القدس والمسجد الأقصى فنقول: إن يهودياً واحداً مثل ميسكوفيتش قد دفع مبلغ ستمائة مليون دولار لإقامة مستوطنة جبل أبي غنيم ، وهي مستوطنة مقامة على أرض وقف إسلامي، أوقفها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- على الصحابي الجليل عياض بن غانم – رضي الله عنه- عندما فتح المدينة المقدسة ، فسميت بأبي غنيم نسبة له ، كما أنه قد دفع مبالغ جديدة لإقامة مستوطنات جديدة في قلب المدينة المقدسة في باب العامود، فأين الأموال العربية ، وأثرياء الأمتين العربية والإسلامية ؟! أين ما قررته القمة العربية المنعقدة في مدينة سرت الليبية وهو مبلغ متواضع (500)خمسمائة مليون دولار للمدينة المقدسة ، مع العلم أنه لم يصل منه فلس واحد.
إن الأمة مطالبة رغم الصعوبات والأزمات الاقتصادية بالوقوف مع المدينة المقدسة وأهلها استجابة لدعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – كما جاء في الحديث الشريف الذي روته ميمونة – رضي الله عنها – عندما قَالَتْ: " يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ: "أَرْضُ َالْمَحْشَر ِو الْمَنْشَر ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فيِه، فَإِنَّ صَلاَةً فِيِه كَأَلْف صَلاَة فِي غَيْرِهِ". قَلتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إليه؟ قال:" فَتُهْدِي لَهُ زَيْتاً يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذِلكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ ".
ونود أن نطمئن الجميع بأن الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية بدينهم متمسكون، وعن عقيدتهم مدافعون، وهم يبغون العدالة لقضيتهم، وأنهم ثابتون فوق أرضهم، منغرسون فيها، لن يتركوها مهما كانت المؤامرات.
* كيف السبيل إلى تكريس دور القدس في ترسيخ قمة الوحدة بين الفلسطينيين في ظل التآلف المتميز بين المسلمين والمسيحيين في المدينة المقدسة ؟
إن شعبنا الفلسطيني أحوج ما يكون إلى الوحدة والمحبة ، والتكاتف والتعاضد، ورص الصفوف، وجمع الشمل، وتوحيد الكلمة خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني، وفي هذا الوقت العصيب من حياة شعبنا، حيث تتجه قلوب الفلسطينيين في هذه الأيام إلى الإخوة العرب من قادة الدول العربية والإسلامية في أية عاصمة عربية وخاصة قاهرة المعز، ليعملوا كل ما بوسعهم لرأب الصدع بين الإخوة الفرقاء من أبناء الشعب الفلسطيني ، وكلها ثقة وأمل في الله سبحانه وتعالى بأن يجمع الله شمل شعبنا ويوفق قادته لرص الصفوف وإنهاء الانقسام والتعالي على الجراح ، وفتح صفحة جديدة من الاحترام والتقدير، كي نعود كما كنا دائماً على قلب رجل واحد، فما أحوج أبناء شعبنا إلى الترفع على الأحقاد، وطيّ صفحات الماضي المؤلمة، وأن نفتح جميعاً صفحة جديدة من الأخوة والمحبة والإخاء .
ومن الجدير بالذكر أن جميع الفصائل الفلسطينية حريصة كل الحرص على إتمام المصالحة، كما أن ما تشهده المنطقة من أحداث، بالإضافة إلى الصلف الإسرائيلي، والموقف الأمريكي المعارض لحقوق شعبنا، من شأنه أن يدفع الجميع إلي الإسراع في تنفيذ إجراءات المصالحة الفلسطينية.
فليكن لنا فيما يجري حولنا من أحداث درس نلتزم به، وهو الوحدة ، الوحدة ، الوحدة، ومدد يوثق صلتنا بالله، ويربط على قلوبنا في معركة المصير، حتى نصون الحق، ونسترد الأرض،ونطهر القدس والأقصى، وترفرف أعلامنا خفاقة فوق ثرى فلسطين الغالية إن شاء الله.
إننا نوجه رسالة إلى الفصائل الفلسطينية نقول لهم : إن الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف الشهداء والجرحى ينتظر منكم اليوم موقفاً واحداً موحداً بأن تلتقوا على كلمة سواء ، وأن تتحدوا لمواجهة الأخطار المحدقة بالشعب الفلسطيني والقضية والهوية، وفي مقدمتها عاصمتكم الأبدية مدينة القدس الغالية ، فالقدس تُهود ، والحفريات مستمرة تحت المسجد الأقصى المبارك، لتقويض بنيانه، وزعزعة أركانه، تمهيداً لهدمه – لا سمح الله – وإقامة ما يسمي بالهيكل المزعوم بدلاً منه، والجدار يلتهم الأرض ، وغزة مكلومة بجراحها ، ونقول لكم : إن لم توحدنا مدينتنا المقدسة ولؤلؤتها المسجد الأقصى المبارك ، ودماؤنا وأشلاء أطفالنا ونساؤنا وأسرانا البواسل في سجون الاحتلال الذين يخوضون أسمى المعارك وهي معركة الأمعاء الخاوية، فمتى سنتوحد؟!.
إن صوتنا لم ولن يسمع، إذا بقينا متفرقين مختلفين ،ونحن هنا نتساءل: لماذا هذا الاختلاف بين أبناء الشعب الواحد ؟!! أنسينا ما يفعله بنا المحتلون صباح مساء من قتل ، واعتقال ، وتدمير وغير ذلك ؟!
لننظر حولنا إلى ما يحدث في المسجد الأقصى المبارك من اقتحامات واعتداءات وخطوات عملية لتقسيمه وتهويده، فهل نحن مصرون على الفرقة بين بعضنا البعض؟!، لذلك فإنني أستحلفكم بالله أولاً، ثم لأجل دماء الشهداء وآهات الجرحى والمصابين وحرية الأسرى والمعتقلين والأطفال والثكالى ثانياً ، بأن تجمعوا كلمتكم وتوحدوا صفوفكم وأن تنبذوا الفرقة حتى نستطيع سوياً التصدي لسياسة التهويد الإسرائيلية بحق القدس والأقصى والمقدسات، ولنتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، ولنجعل المصلحة الوطنية العليا فوق كل شيء ، وهل أغلى من القدس والمسجد الأقصى المبارك مسرى نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - ، ليكون سبباً في تكريس دعائم الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى ما في القدس من معالم وأماكن مقدسة للمسلمين والمسيحيين ، وهي من أبرز ما يعزز الوحدة بين الأشقاء الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، فليس أمامنا إلا الوحدة والوحدة و الوحدة .ونسأل الله العلي القدير أن يجمع على الحب والإخوة شملنا ويوحد على الحق كلمتنا إنه سميع قريب.
* ما تقييمكم للدعم العربي والإسلامي الموجه للقدس؟
إن مدينة القدس مهوى أفئدة المليار ونصف المليار مسلم في جميع أنحاء العالم ، وكذلك ملايين المسيحيين في شتى أنحاء المعمورة، لذلك فإن الواجب الديني والحضاري عليهم جميعاً أن يدافعوا عن هذه المدينة المقدسة، وألا يتركوها وحيدة أمام الهجمة الشرسة التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي صباح مساء.
ومن المعلوم أن تحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، يحتاج من أبناء الأمتين العربية والإسلامية بصفة عامة، ومن علمائها وقادتها وأصحاب الضمائر الحية فيها بصفة خاصة، إلي ضرورة العمل على إعداد أبناء الأمة تربوياً ودينياً وأخلاقياً ، وتفعيل دور العلماء وأصحاب الآراء السديدة في عملية الإصلاح التي تشهدها المنطقة العربية ، والحرص على توجيه الطاقات الشبابية الثائرة ومن يقودها نحو القضية الفلسطينية، لدعمها وبذل أقصى ما في وسعهم لتحرير القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك،فالمسجد الأقصى ليس ملكاً للفلسطينيين وحدهم، بل هو في عقيدة كل عربي ومسلم، فهو نهاية رحلة الإسراء وبوابة الأرض إلى السماء، فمن المسجد الأقصى المبارك عُرج بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى السماء .
ونحن هنا نشيد بدور الأمتين العربية والإسلامية في دعم صمود الفلسطينيين عامة وأهالي المدينة المقدسة بصفة خاصة، ولا يسعنا إلا أن نشيد بجهود وكالة بيت مال القدس الشريف الذراع الأمين للجنة القدس الشريف برئاسة الملك المغربي / محمد السادس في دعم أهالي المدينة المقدسة في كافة المجالات الإسكانية والتعليمية والصحية والإغاثية والشبابية والثقافية والرياضية فجزاهم الله خير الجزاء ، ولكنني أقول لأحبتي من العرب والمسلمين بأن القدس تتعرض لمجزرة، وأنها تحتاج إلي وقفة سريعة، فيهودي واحد مثل ميسكوفيتش تبرع بستمائة مليون دولار لإقامة مستوطنة في جبل أبي غنيم بالقدس، كما وتبرع لبناء مستوطنة جديدة في رأس العامود في قلب المدينة المقدسة، فماذا أنتم فاعلون يا أحبتي لإنقاذ قبلتكم الأولى ومسرى نبيكم –صلى الله عليه وسلم-، وبهذه المناسبة فإننا نناشد جميع الهيئات والمؤسسات العربية والإسلامية وخاصة منظمة التعاون الإسلامي ولجنة القدس ورابطة العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية لمضاعفة جهودها ودعمها المبارك للفلسطينيين في القدس المحتلة ، وضرورة العمل على التحرك السريع والجاد لإنقاذ المسجد الأقصى المبارك ، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية في مدينة القدس ، وسائر الأراضي الفلسطينية .
*كيف نجعل هذا الدعم أكثر نجاعة وتأثيراً على صمود المقدسيين؟
من المعلوم أن أبناء القدس يتلقون دعماً مادياً ومعنوياً من الأمتين العربية والإسلامية، ومن المؤسسات والهيئات المعنية بقضية القدس والمسجد الأقصى وفلسطين ، وخاصة لجنة القدس الشريف وذراعها الأمين وكالة بيت مال القدس الشريف، وكذلك من بعض الدول العربية والإسلامية ، وأنا أقول لولا هذا الدعم والتأييد من الأخوة العرب والمسلمين في شتى بقاع الأرض ما استطاع المقدسيون أن يثبتوا أمام ظلم المحتلين المتجدد، والذي يسعى جاهداً إلى طردهم من ديارهم وهدم بيوتهم ، بالإضافة إلى طمس الطابع العربي والإسلامي والتاريخي والحضاري عن المدينة المقدسة ، والعمل على استمرار أعمال حفر الأنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى لهدم أركانه وتقويض بنيانه .
ولكي يكون الدعم العربي والإسلامي أكثر نجاعة وتأثيراً ويزيد من صمود المقدسيين لابد من العمل على تثبيت المقدسيين في مدينتهم من خلال إقامة المشاريع الإسكانية لهم ، ودعم مؤسساتهم المختلفة داخل مدينة القدس ، وذلك في شتى المجالات : التعليمية من مدارس أو معاهد أو جامعات ، والاجتماعية بدعم الجمعيات الاجتماعية المختلفة والأسر الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة ، والإخوة العمال المقدسيين فيها، والاقتصادية بدعم المشاريع التجارية والاقتصادية لأبناء القدس فيها، والصحية بدعم المستشفيات والمراكز والمؤسسات الصحية فيها، والسياسية بدعم أبناء القدس سياسياً خاصة فيما يخص أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني والشخصيات الإسلامية والوطنية في مدينة القدس المحتلة، ودعم صمود أهلها بكل الطرق التي تؤهلهم للوقوف والتصدي أمام هذه الهجمة الإسرائيلية الشرسة لصبغ المدينة المقدسة بالصبغة اليهودية الاحتلالية ، وفي مقدمتهم حراس المسجد الأقصى المبارك وسدنته، والشريحة الشبابية المرابطة.
* شاركتم في ندوة مستقبل القدس التي نظمتها وكالة بيت مال القدس الشريف في الرباط يوم الأربعاء 4 أبريل / نيسان 2012م ، إلى جانب ثلة من الأساتذة والباحثين والمختصين ورجال الدين . ما هي انطباعاتكم عن دور رجال الفكر والدين في الحفاظ على التراث الديني والحضاري للقدس ؟
لقد شاركت مع عدد من الأخوة الأفاضل في ندوة مستقبل القدس والتي نظمتها وكالة بيت مال القدس الشريف في الرباط يوم الأربعاء 4أبريل / نيسان 2012م ، حيث شدد جميع المشاركين على ضرورة أن تقف الأمتان العربية والإسلامية عند مسؤولياتهما في الدفاع عن موطن الإسراء والمعراج والمسجد الأقصى المبارك ، ومساعدة المقدسيين في الثبات والمرابطة على أرضهم ، وكذلك ضرورة قيام العالم المسيحي وكل أحرار العالم بالتصدي للاعتداءات الإسرائيلية اليومية على المدينة المقدسة، فمن المعلوم أن أقدس مقدسات المسيحيين في العالم توجد في القدس وفلسطين مثل : كنيسة القيامة في القدس ، وكنيسة المهد في بيت لحم ، فأين دور العالم المسيحي في الدفاع عن هذه الأماكن ، وعن الكنائس الأخرى المنتشرة في فلسطين والتي تتعرض للحرق والتدمير .
كما شدد الجميع من باحثين ورجال فكر ورجال دين على ضرورة نشر العلوم والمعارف المقدسية في كافة الدول وبمختلف اللغات ، وضرورة توثيق الاعتداءات الإسرائيلية ، وكذلك تشجيع البحوث والدراسات التي تتحدث عن المدينة المقدسة ، وضرورة تدريس مساق عن القدس في الجامعات العربية والإسلامية .
كما نبه الجميع إلى ضرورة الرد على الادعاءات والافتراءات الإسرائيلية حول حقهم الديني والتاريخي في فلسطين ، ففلسطين أرض وقف إسلامي إلى يوم القيامة، فهي أرض عربية الأصول، إسلامية الجذور، منذ آلاف السنين، فالواجب على جميع أبناء الأمتين العربية والإسلامية أن يدرسوا تاريخ فلسطين، وأن يتحرَّوا الدقة فيه؛ حتى يتعرفوا على حقوقهم ويردوا كيد الحاقدين، ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال:
مثـل القـوم نســوا تاريخهـم أو كمغلــوب علــى ذاكــرة
كلقيـط عيّ في الحـي انتسـابا يشتكي من صلة الماضي انقضابا