2023-09-22

القدس ... مدينة عربية إسـلامية
2017-02-03

الخطبة الأولى :

أيها المسلمون :

أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة- رضي الله عنه-  قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدّينِ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا : يا رسولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ ؟قَالَ: ببَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ". 

لقد أثنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المسلمين المقيمين في بيت المقدس، وأن منهم الطائفة المنصورة إن شاء الله، فبيت المقدس سيبقى إن شاء الله حصناً للإسلام إلى يوم القيامة، على الرغم من المحن التي تعصف بالأمة.

ومن الجدير بالذكر أن ارتباط المسلمين بهذه البلاد هو ارتباط عقدي، وليس ارتباطاً انفعالياً عابراً أو موسمياً مؤقتاً، لأن حادثة الإسراء من المعجزات، ولأن المعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، ففلسطين ستبقى على الرغم من المِحَن التي عصفت وتعصف بالمسلمين، حِصْنَ الإسلام وَمَعْقِلَ الإيمان إلى قيام الساعة إن شاء الله.

أيها المسلمون :

من المعلوم أن مدينة القدس أرض مباركة مقدسة مجبولة بدماء الصحابة والتابعين والأجداد والآباء ، وهي من أقدس المدن وأشرفها، ولها في قلوب المسلمين جميعا مكانة سامية، فلمدينة القدس وغرة جبينها المسجد الأقصى المبارك مكانة في الإسلام، جاء التنويه بها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة، وتجلت كذلك في مشاعر المسلمين وعواطفهم الدينية، وفي تعلقهم القلبي والروحي بهذه المدينة المباركة، وظهرت هذه المكانة أيضاً عبر التاريخ من خلال حرص المسلمين على فتحها وتطهيرها من دنس المحتلين، كما عملوا على صيانة معالمها والمحافظة عليها، فهي عزيزة علينا دنيا ودينا، قديماً وحديثاً ، ولن نفرط فيها أبداً مهما كانت المغريات ومهما عظمت التهديدات .

أيها المسلمون :

وعند زيارتنا للمسجد الأقصى المبارك نجد أن كل ركن في المسجد ينطق بماضِ للإسلام غالٍ عريق:

هنا: كانت نهاية الإسراء .

ومن هنا: عُرج بمحمد – صلى الله عليه وسلم – إلى السماء .

وإلى هنا: جاء عمر بن الخطاب وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص، وعبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وسلمان الفارسي، وغيرهم من الصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين- .

وهنا: علّم شداد بن أوس- رضي الله عنه- " معلّم هذه الأمة ".

وهنا: قَضَى عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – بين الناس.

وهنا: نُودي بمعاوية بن أبي سفيان-رضي الله عنه- خليفة للمسلمين.

وإلى هذه الرحاب الطاهرة جاء أئمة العلم يعظون ويدرسون ويتعبّدون: الإمام الأوزاعي فقيه أهل الشام، وسفيان الثوري إمام أهل العراق، والليث بن سعد إمام مصر، ومحمد بن إدريس الشافعي مؤسس المذهب الشافعي، وحجة الإسلام الإمام الغزالي الذي ألف كُتُباً في المدينة المقدسة بعد أن آثر البقاء فيها ومجاورة مسجدها الأقصى، ومن بين مؤلفاته بها كتاب " إحياء علوم الدين "، الذي قال عنه علماء عصره ومن تبعهم من العلماء: " من لم يقرأ كتاب الإحياء، فهو ليس من الأحياء" , وقد ألفه تحت قبة في ساحات المسجد تسمى اليوم بالقبة الغزالية .

هذا المسجد كان جامعة إسلامية كبرى امتلأت ساحاته بآلاف الطلاب من كل مكان ، وكان مرتاد العباد والزهاد من كل بقاع الأرض.

أيها المسلمون :

إن مدينة القدس لا يمكن أن تُنسى أو تُترك لغير أهلها، مهما تآمر المتآمرون وخطَّط المحتلون، الذين يسعون لطمس طابعها العربي الإسلامي، ومحو معالمها التاريخية والحضارية، وتحويلها إلى مدينة يهودية، ففي كل يوم تدفن جرافات الاحتلال الصهيوني جزءاً عزيزاً من تراثنا ، كما تتهيأ معاول الهدم لتقويض جزء جديد، إنهم يريدون لمدينة القدس أن تندثر وأن يندثر أهلها ، ولكن القدس يجب أن تبقى ، فليس في العالم قاطبة مدينة تثير الخواطر وتشحد خيال المؤمنين ، مثل القدس الشريف التي وصفها ابنها العلامة الجغرافي شمس الدين أبو عبد الله المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم "، بأنها " أجل المُدن قاطبةً، لأنها مهبط الوحي ومدينة الأنبياء ، ومجتمع الدنيا والآخرة" ، هذه العبارات على إيجازها تختصر تاريخاً ممتداً طوله أكثر من أربعة آلاف سنة ، شهدت المدينة خلالها أمماً وحضارات، وتعاقب عليها أفواج من الغزاة والطامعين.

ونحن هنا  نستذكر تاريخ المدينة المقدسة وهي تحكى قصة الفاروق عمر ، الذي أخذ المدينة بعهدة عمرية علَّمت الناس من بعده كيف يكون التسامح مع الآخرين، وكيف تُحترم حقوق الناس وتُصان أعراضهم، فقد اهتم المسلمون عبر تاريخهم المشرق منذ عهد الرسول  â€“ صلى الله عليه وسلم - ، وعهد الخلفاء الراشدين من بعده بفلسطين عامة ومدينة القدس والمسجد الأقصى بصفة خاصة ، كما اهتم الأمويون والعباسيون والأيوبيون والمماليك والأتراك العثمانيون بعمارة الأقصى والصخرة المشرفة وبالساحات والممرات والأسوار والأروقة، ولا ننسى الفتح الصلاحي لهذه المدينة وتحرريها من الإفرنج الصليبيين على يد القائد صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله - ، ومن الجدير بالذكر أن  القدس قد احْتُلّت عبر التاريخ مرات عديدة ، ولكنها لفظت المحتلين وستلفظ هذا المحتل إن شاء الله .

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله ....

الخطبة الثانية :

أيها المسلمون :

لقد تابعنا وتابع العالمان العربي والإسلامي الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك ، حيث تتعرض المدينة المقدسة في هذه الأيام  لمحنة من أشد المحن وأخطرها، فالمؤسسات فيها تُغلق ، والشخصيات الوطنية تُلاحق ، والبيوت تُهدم في سلوان والشيخ جراح وشعفاط والعيزرية وغيرها  ، والأرض تُنهب  في كل مكان، والهويات تُسحب، وجدار الفصل العنصري يلتهم الأرض، وكل معلم عربي يتعرض لخطر الإبادة والتهويد، وسلطات الاحتلال تشرع الآن في بناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية لإحداث تغيير ديموغرافي في المدينة المقدسة من أجل إضفاء الطابع اليهودي عليها  ، والعالم وللأسف يُغلق عينيه ويصمّ أذنيه عما يجري في القدس، وكأن القدس خارج حسابات المجتمع الدولي.

أيها المسلمون :

 ونحن هنا نذكركم أيها الأخوة الكرام بأشهر الاعتداءات على مدينة القدس في الآونة الأخيرة، فمن  المعلوم أن الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك  تسير بوتيرة متسارعة ، فمن اقتحامات يومية لساحاته، إلى حفريات وشقّ أنفاق وإقامة كُنُس أسفله وفي محيطة،  ووضع كاميرات مراقبة على سوره وفي ساحاته، وعملهم المستمر لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً حيث تعمل سلطات الاحتلال جاهدة لفرض سيطرتها عليه، إلى مشروع إنشاء قطار هوائي في سماء المدينة المقدسة والذي سَيَمُرّ بمحاذاة المسجد الأقصى المبارك حيث سيتيح للآلاف من المستوطنين الوصول بسهولة إلى حائط البراق والبلدة القديمة،  وما التضييق على طلاب وطالبات مصاطب العلم والمرابطين في المسجد الأقصى المبارك عنا ببعيد، وكذلك المخططات الإسرائيلية الرامية لإسكات صوت الأذان في مساجد مدينة القدس المحتلة بحجة أن صوت الأذان يتسبب  في إزعاج المستوطنين، وكذلك مخططهم الإجرامي لبناء ما يُسَمّى بالهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك لا سمح الله.

 أيها المسلمون :

تقوم  سلطات الاحتلال الإسرائيلي ببناء كُنس عديدة حول المسجد الأقصى المبارك لإخفاء معالمه، ومنها: بناء كنيس "جوهرة إسرائيل" في حي الشرف في قلب البلدة القديمة بالقدس، حيث يقام هذا الكنيس  على أنقاض وقف إسلامي  وسيتألف من ست طبقات، ومن الجدير بالذكر  أن سلطات الاحتلال تسعى إلى تشويه المشهد العام للمدينة المحتلة وإخفاء معالم المسجد الأقصى المبارك وذلك من خلال إقامة معالم يهودية مزورة،  وكذلك قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتغيير أسماء ومعالم في مدينة  القدس المحتلة بإطلاق أسماء يهودية جديدة عليها بهدف العبث بمسميات الأماكن التاريخية، بالإضافة إلى اعتداءات سلطات الاحتلال على الأماكن المقدسة للمسيحيين في القدس.

كما تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي  بالاعتداء  على المقابر الإسلامية في المدينة المقدسة وفي مقدمتها  مقبرة باب الرحمة ، حيث تقوم بهدم وتجريف بعض القبور داخلها، وهذا الاعتداء ليس جديداً فقد سبقته اعتداءات كثيرة  على عدد من المقابر منها : مقبرة مأمن الله، ومقبرة الجماسين، ومقبرة الشيخ مونس، ومقابر أخري تم إزالتها وتحويلها إلي مناطق خضراء وإقامة مبان عليها بعد تجريفها، وإقامة ما يُسمي بمتحف التسامح على أجزاء من مقبرة مأمن الله.

ومن الجدير بالذكر أن مقبرة باب الرحمة مقبرة قائمة منذ الفتح الإسلامي لفلسطين بجوار المسجد الأقصى المبارك  ويوجد بها قبور العديد من الصحابة والتابعين والقادة والمصلحين، وفي مقدمتهم أول قاض للإسلام في بيت المقدس الصحابي الجليل عبادة بن الصامت، وكذلك الصحابي الجليل شدَّاد بن أوس وغيرهما من عشرات الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين-.

  أيها المسلمون :

إن  قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس يُعتبر إعلان حرب على الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وسيترك تداعيات خطيرة على المنطقة ، وإن الفلسطينيين ومعهم أبناء الأمتين العربية والإسلامية يرفضون ذلك، وسيتصدون لهذا الوعد الجائر والقرار الظالم.

كما نستنكر بشدة الأعمال الإجرامية التي قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم بيوت الفلسطينيين في قلنسوة وقرية أم الحيران في النقب وتشريد أهلها ، معلنين أننا شعب واحد في السراء والضراء وأن المستقبل لنا جميعاً إن شاء الله .

  أيها المسلمون :

 إن مدينة القدس  بحاجة إلي خطوات فعلية تُساهم في المحافظة على عروبتها وإسلاميتها ودعم صمود أهلها ومساعدتهم في البقاء على أرضهم، والصمود أمام المحاولات الإسرائيلية التي تهدف إلي اجتثاثهم وترحيلهم، وذلك بإقامة المشاريع الإسكانية داخل المدينة المقدسة وترميم البيوت، ودعم المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمؤسسات التعليمية، والوقوف مع التجار الصامدين وسدنة وحراس المسجد الأقصى المبارك،  كي يبقوا مرابطين فوق أرضهم المباركة محافظين على الأقصى والمقدسات.

كما نناشد أبناء شعبنا الفلسطيني المرابط بضرورة رص الصفوف وإنهاء الإنقسام البغيض وأن نكون أخوة متحابين ، حتى نستطيع سوياً التصدي لهذه الهجمة الاحتلالية الشرسة ضد أقصانا وقدسنا وبلادنا المباركة وشعبنا المرابط .

نسأل الله أن يحفظ الأقصى والقدس وفلسطين

 وسائر بلاد المسلمين من كل سوء

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

الدعاء.....