2023-06-11

المسجد الأقصى مسجد إسلامي بقرار رباني
2017-07-21

الخطبة الأولى :

أيها المسلمون :

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.

يتابع أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان و كذلك أبناء  الأمتين العربية والإسلامية الإجراءات الإسرائيلية الظالمة بحق المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة، حيث قامت  سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتركيب بوابات الكترونية على عدد من أبواب المسجد الأقصى المبارك.

 إن ما يشهده المسجد الأقصى المبارك في هذه الأيام من اعتداءات واقتحامات يومية، وإحراق لسجاده وأبوابه، وتدمير لنوافذه وقناديله، وإغلاق لأبوابه في الفترة الصباحية أمام المسلمين، وتضييق واعتداء على رُوّاده من المصلين والمعتكفين والمرابطين وطلاب وطالبات مصاطب العلم وطلبة مدراس الأقصى ومنعهم من دخوله واعتقال بعضهم ومصادرة هوياتهم، و بالمقابل السماح للمستوطنين بدخوله في تلك الأوقات وتوفير الحماية لهم، ما هي إلا حلقة من المخطط الاحتلالي المتطرف لتهويد المسجد الأقصى وفرض السيادة الإسرائيلية عليه، من خلال محاولة تقسيمه زمانيًا ومكانيًا تمهيدًا  لإقامة ما يُسمى بالهيكل المزعوم على أنقاضه لا سمح الله.

إننا نؤكد بأن المحاولات الإسرائيلية لفرض أمرٍ واقع في المسجد الأقصى المبارك لن تنجح بإذن الله في تغيير الحقائق وطمس المعالم والمقدسات الإسلامية في المدينة المقدسة، ونُحَمِّلُ سلطات الاحتلال المسئولية الكاملة المترتبة على هذه الإجراءات التصعيدية ضد الأقصى والقدس والمقدسات .

أيها المسلمون :

من المعلوم أن بلادنا  فلسطين بقعة مباركة، بل هي من أقدس البلاد وأشرفها، ولها في قلوب المسلمين جميعاً مكانة سامية، فهي أرض النبوات، وتاريخها مرتبط بِسِيَرِ الرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام-، وهي عزيزة علينا، ديناً ودنيا ، قديماً وحديثاً، ولن نفرط فيها أبداً مهما كانت المغريات، ومهما عظمت التهديدات.

وقد ورد في فضلها ومكانتها الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة،  ففلسطين أرض مباركة بنص القرآن الكريم كما في قوله تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، كما أن فلسطين أرض مقدسة كما جاء في قوله تعالى : {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ}، فقد جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير للصابوني في تفسير الآية السابقة: "المراد بالأرض المقدسة: بيت المقدس وما حوله".

أيها المسلمون :

إن بلادنا فلسطين هي الملجأ وقت اشتداد المِحَن كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسنده عَنْ ذِي الأَصَابِعِ، قَالَ:"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ، أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ، يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ"، وعند دراستنا للحديث السابق فإننا نستنبط منه فضل المقام في بيت المقدس، "عليك ببيت المقدس"، "عليك" اسم فعل أمر، أي الزم بيت المقدس لفضل المقام فيه، كما نتعرف على فضل الغدوّ والرواح إلى مسجد بيت المقدس، "فلعله أن ينشأ لك ذرية، يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون"، ففلسطين عامة وبيت المقدس خاصة هي الملجأ وقت اشتداد المحن والكروب، كما أن الطائفة التي لا تزال على الحق هي في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

ومن المعلوم أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قد رَغَّبَ في السكنى والمرابطة في هذه البلاد المباركة الطيبة كما جاء في الحديث،عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأَوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ"،  فبيت المقدس ثغرٌ من ثغور الإسلام، وللرباط فيه أجر كبير، وللإقامة فيه وعدم مغادرته والهجرة منه ثواب عظيم، وهذه كلها من ثمار بركة بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فخير الجهاد الرباط، وخير الرباط رباط عسقلان، كما جاء في الحديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "...فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلانُ".

إن أرض فلسطين هي أرض الإيمان والرباط والجهاد، لذلك فقد وجه الإسلام أنظار المؤمنين إليها للمرابطة فيها، حيث بَيَّنَ نبينا- صلى الله عليه وسلم – فضل الرباط في سبيل الله، كما جاء في الحديث: عن سهل بن سعد الساعديِّ - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا...".

أيها المسلمون :

 من المعلوم أن العرب والمسلمين قد أولوا المدينة المقدسة عناية كبيرة عبر التاريخ، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يخرج من الجزيرة العربية إلا إلى القدس في رحلة الإسراء والمعراج حيث صلَّى إماماً بالأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، كما أن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي فُتحت في عهده مصر ودمشق وبغداد لم يذهب لاستلام مفاتيح أي عاصمة، وإنما جاء إلى القدس في إشارة منه– رضي الله عنه – إلى مكانة هذه المدينة في عقيدة الأمة، وهذا ما سار عليه المسلمون عبر التاريخ.

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله ....

الخطبة الثانية :

أيها المسلمون :

يواصل عشرات الآلاف من المقدسيين والداخل الفلسطيني وموظفي الأوقاف الإسلامية والعلماء والقيادات الإسلامية والوطنية رباطهم أمام أبواب المسجد الأقصى المبارك، رافضين الدخول إليه عبر البوابات الإلكترونية التي وضعتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث يؤدى المقدسيون الصلاة أمام أبواب الأقصى رفضاً لنصب البوابات الإلكترونية على بعض أبواب المسجد ، فموقف أهلنا في المدينة المقدسة مع الإجماع الصادر عن المرجعيات الإسلامية في مدينة القدس بعدم الدخول إلى الأقصى عبر البوابات الإلكترونية المرفوضة إسلامياً وأخلاقياً ، حيث يصر كافة المقدسيين على عدم الخضوع لإجراءات الاحتلال المذلة ولعمليات التفتيش المهين أثناء دخولهم للأقصى عبر تلك البوابات، كما وناشدت المرجعيات الإسلامية في القدس المحتلة أهالي القدس وفلسطين بضرورة رفض ومقاطعة كافة الإجراءات الإسرائيلية الجائرة والمتمثلة في تغيير الوضع التاريخي القائم في الأقصى والمدينة المقدسة، ومنها فرض البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى، فالمسجد الأقصى للمسلمين وحدهم وهم أصحاب السيادة عليه، وليس لليهود أي حق فيه.  

أيها المسلمون :

  إن موقف شعبنا الفلسطيني بكل فصائلة وشرائحه داعم ومؤيد لبيان المرجعيات الإسلامية في القدس، الداعي إلى شد الرحال إلى المسجد الأقصى وعدم دخول المسجد من خلال البوابات الإلكترونية ، وتأدية الصلوات عند بوابات المسجد .لذلك يجب علينا جميعاً ضرورة العمل على كافة  المستويات لنصرة المدينة  المقدسة والمسجد الأقصى.

إن المواقف المشرفة لأهلنا في المدينة المقدسة الذين يشكلون مع أشقائهم في الداخل الفلسطيني خط الدفاع الأول عن الأقصى والقدس قد أعادت للقضية الفلسطينية مكانتها الحقيقية كقضية مركزية للأمة ، كما وَحَّدت جميع الفصائل الفلسطينية وجماهير شعبنا الفلسطيني في كافة الأراضي الفلسطينية للدفاع عن الأقصى والقدس والمقدسات، وكانت رداً قوياً على الاعتداءات المتكررة التي تقوم بها سلطات الاحتلال بحق الأقصى و القدس والمقدسات والمرابطين وطلاب وطالبات مصاطب العلم.

إن مسئولية الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك ليست مسئولية الشعب الفلسطيني وحده وإن كان هو رأس الحربة حيث منحه الله عز وجل شرف المرابطة في هذه البلاد، بل إنها مسئولية العرب والمسلمين جميعاً في مساندة هذا الشعب، والوقوف بجانبه ودعمه  للمحافظة على أرضه ومقدساته.

أيها المسلمون :

وبهذه المناسبة فإننا نتوجه بالتحية والتقدير إلى أهلنا في مدينة القدس وفلسطينيي الداخل، وإلى سدنة المسجد الأقصى المبارك وحراسه  وطلاب مصاطب العلم والمصلين والمرابطين ، على دورهم المُمَيَّز في الدفاع عن مسرى النبي- صلى الله عليه وسلم – والمدينة المقدسة، فجزى الله الجميع خير الجزاء .

ونناشد إخوتنا في الفصائل الفلسطينية بضرورة العمل على  جمع الشمل ورص الصفوف والتعالي على الجراح  وفتح صفحة جديدة من المحبة والأخوة، لنستطيع سوياً التصدي لهذا العدوان الإسرائيلي الهمجي، ولنحافظ على أرضنا ومقدساتنا وأقصانا، كما نناشد شعبنا الفلسطيني المرابط  بضرورة شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك بصورة دائمة، ليعرف العالم كله مدى حبنا لأقصانا وتمسكنا بقدسنا.

كما نوجه نداء استغاثة للأمتين العربية والإسلامية أن أدركوا المدينة المقدسة وقلبها المسجد الأقصى المبارك قبل فوات الأوان، فسلطات الاحتلال تعمل على تزييف الحضارة والتاريخ، كما تعمل على تغيير المشهد الديموغرافي بالمدينة صباح مساء، فماذا أنتم فاعلون أيها العرب والمسلمون ؟! .

إن الواجب الشرعي يحتم عليكم مساعدة أهل فلسطين عامة ، وأهالي مدينة القدس خاصة في شتى المجالات الإسكانية والصحية والتعليمية والإغاثية، كي يبقوا صامدين مرابطين فوق أرضهم المباركة كما جاء في الحديث عن ميمونة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: قلتُ: "يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ:" أَرْضُ َالْمَحْشَر ِو الْمَنْشَر، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فيِه، فَإِنَّ صَلاَةً فِيه كَأَلْف صَلاَة فِي غَيْرِهِ". قَلتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إليه؟  قال:" فَتُهْدِي لَهُ زَيْتاً يُسْرَجُ فيه، فَمَنْ فَعَلَ ذلكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ".

فالقدس تنتظر بشغف المواقف العربية والإسلامية التي تحميها من الضياع والاندثار، كما أن المسجد الأقصى المبارك يخاطب الأمة قائلاً: أدركوني قبل فوات الأوان.

 كما نتوجه إلى الرأي العام العالمي بضرورة الوقوف مع أبناء الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه كاملة، وضرورة التصدي للمؤامرات والاعتداءات التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة، ونقول لهم: أما آن للاحتلال أن ينتهي .

أملنا في الله سبحانه وتعالى كبير ثم في أمتنا ، فالليل مهما طال فلابُدَّ من بزوغ الفجر، وإن الفجر آت بإذن الله،  ويسألونك متى هو؟! قل عسى أن يكون قريباً.

نسأل الله أن يحفظ الأقصى والقدس و فلسطين من كل سوء

الدعاء.....