2023-09-22

القدس... مدينة عربية إسلامية
2018-10-26

الخطبة الأولى :

أيها المسلمون :

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

 تحتل  بلادنا فلسطين بصفة عامة ومدينة القدس بصفة خاصة مكانة مميزة في نفوس العرب والمسلمين ، فهي المدينة التي تهفو إليها النفوس وتشد إليها الرحال،  كيف لا؟ وفيها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ، وفيها التاريخ الإسلامي العريق الذي يزرع نفسه بقوة في كل شارع من شوارعها، وكل أثر من آثارها ، وكل حجر من حجارتها المقدسة .

لقد ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام  بمكة المكرمة والمسجد الأقصى بالقدس  كما في الآية السابقة ، حيث افتتحت بها سورة الإسراء ، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين ، ولا يفرّط في أحدهما، فإنه إذا فرّط في أحدهما أوشك أن يفرّط في الآخر ، فالمسجد الأقصى ثاني مسجد وُضِعَ لعبادة الله في الأرض كما ورد عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – قال : (قلْتُ يَا رَسُولَ الله: أَيُّ مَسْجد وُضعَ في الأرْضِ أوَّل؟ قَالَ: "اَلْمسجِدُ الْحَرَامُ"، قَالَ: قُلْتَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "اَلْمَسجِدُ الأقْصَى"، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيه).

أيها المسلمون :

لقد حثَّ نبينا – صلى الله عليه وسلم – على السكنى في هذه البلاد المباركة كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده  بسنده عن ذي الأصابع قال : " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ، أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ، يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ"، ففلسطين عامة، ومدينة القدس بصفة خاصة هي الملجأ وقت اشتداد المحن والكروب ، ومن المعلوم أن فلسطين وقلبها المدينة المقدسة أرض وقف إسلامي إلى يوم القيامة بأرضها ومساجدها ومصلياتها  ومقابرها.

أيها المسلمون :

إن مدينة القدس أرض مباركة مقدسة مجبولة بدماء الصحابة والتابعين والأجداد والآباء ، وهي من أقدس المدن وأشرفها، ولها في قلوب المسلمين جميعا مكانة سامية، فلمدينة القدس وَغُرَّة جبينها المسجد الأقصى المبارك مكانة في الإسلام جاء التنويه بها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة، وتجلت كذلك في مشاعر المسلمين وعواطفهم الدينية، وفي تعلقهم القلبي والروحي بهذه المدينة المباركة، وظهرت هذه المكانة أيضاً عبر التاريخ من خلال حرص المسلمين على فتحها وتطهيرها من دنس المحتلين، كما عملوا على صيانة معالمها والمحافظة عليها، فهي عزيزة علينا دنيا وديناً، قديماً وحديثاً ، ولن نُفَرِّطَ فيها أبداً مهما كانت المغريات ومهما عظمت التهديدات .

أيها المسلمون :

إن مدينة القدس لا يمكن أن تُنسى أو تُترك لغير أهلها، مهما تآمر المتآمرون وخطَّط المحتلون الذين يسعون لطمس طابعها العربي الإسلامي، ومحو معالمها التاريخية والحضارية وتحويلها إلى مدينة يهودية، ففي كل يوم تدفن جرافات الاحتلال الصهيوني جزءاً عزيزاً من تراثنا ، كما تتهيأ معاول الهدم لتقويض جزء جديد، إنهم يريدون لمدينة القدس أن تندثر وأن يندثر أهلها ، ولكن القدس يجب أن تبقى ، فليس في العالم قاطبة مدينة تثير الخواطر وتشحد خيال المؤمنين مثل القدس الشريف .

ونحن هنا  نستذكر تاريخ المدينة المقدسة وهي تحكى قصة الفاروق عمر ، الذي أخذ المدينة بعهدة عمرية علَّمت الناس من بعده كيف يكون التسامح مع الآخرين، وكيف تُحترم حقوق الناس وتُصان أعراضهم، فقد اهتم المسلمون عبر تاريخهم المشرق منذ عهد الرسول  â€“ صلى الله عليه وسلم - ، وعهد الخلفاء الراشدين من بعده بفلسطين عامة ومدينة القدس والمسجد الأقصى بصفة خاصة ، كما اهتم الأمويون والعباسيون والأيوبيون والمماليك والأتراك العثمانيون بعمارة الأقصى والصخرة المشرفة والساحات والممرات والأسوار والأروقة، ولا ننسى الفتح الصلاحي لهذه المدينة وتحرريها من الإفرنج الصليبيين على يد القائد صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله - ، ومن الجدير بالذكر أن  القدس قد احْتُلّت عبر التاريخ مرات عديدة ، ولكنها لفظت المحتلين وستلفظ هذا المحتل إن شاء الله .

 أيها المسلمون :

إن مدينة القدس  بحاجة إلى خطوات عملية تُساهم في المحافظة على عروبتها وإسلاميتها ودعم صمود أهلها ومساعدتهم في البقاء على أرضهم، والصمود أمام المحاولات الإسرائيلية التي تهدف إلى اجتثاثهم وترحيلهم، وذلك بإقامة المشاريع الإسكانية داخل المدينة المقدسة وترميم البيوت، ودعم المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمؤسسات التعليمية، والوقوف مع التجار الصامدين وسدنة المسجد الأقصى المبارك وحراسه ،  كي يبقوا مرابطين فوق أرضهم المباركة محافظين على الأقصى والمقدسات.

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله ....

الخطبة الثانية :

أيها المسلمون :

إن مدينة القدس لم تُحرر عبر التاريخ إلا من خلال وحدة الأمة وجمع كلمتها، وهذا ما فعله القائد صلاح الدين الأيوبي قبل معركة حطين، والقائد قطز قبل معركة عين جالوت، لذلك فإننا نناشد أبناء الأمتين العربية والإسلامية بضرورة جمع شملهم وتوحيد كلمتهم وأن يكونوا كالجسد الواحد، لأنهم عندما كانوا متحدين طأطأ لهم الشرق والغرب إجلالاً واحتراماً.

لقد جاء رسولنا – صلى الله عليه وسلم-  على أمة ممزقة مبعثرة فجمعها ووحد كلمتها، ثم جمع العرب على اختلاف أوطانهم، وجعلهم أمة واحدة بعد أن كانت الحروب مستعرة بينهم، وصهرهم جميعاً في بوتقة الإسلام، فجمع بين أبي بكر القرشي الأبيض، وبلال الحبشي الأسود، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، جعلهم إخوة متحابين بعد أن كانوا أعداء متخاصمين ، كما أزال ما بين الأوس والخزرج من خلاف، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأصبح المسلمون بفضل الله كالجسد الواحد، حيث بيَّن -عليه الصلاة والسلام- ذلك، بقوله: (الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ)

أيها المسلمون :

إن أعداء أمتنا لن يسمحوا لها بأن تبقى صفاً واحداً، لأنهم يعلمون بأنَّ سرَّ قوة الأمة في وحدتها وأن ضعفها  في فرقتها وتخاذلها، فهم يعملون  ليل نهار على نشر الحقد والخلاف بين أبنائها، كما حدث من (شاس بن قيس) اليهودي الذي غاظه  أن يرى الأوس والخزرج إخوة متحابين، بعد المعارك الطاحنة بينهم التي سُفكت فيها الدماء، فجلس بينهم بخُبث ودهاء يذكرهم بأيام الجاهلية، وينشد بعض الأشعار التي قالها الأوس يوم انتصارهم، فيرد عليهم الخزرج: بأننا انتصرنا يوم كذا، وقال شاعرنا كذا، وما زال يُذكي هذه النار، حتى تأججت، ونادى الرجال من الأوس: يا للسلاح، والرجال من الخزرج: يا للسلاح، يا للأوس، يا للخزرج، وسمع النبي – صلى الله عليه وسلم- بذلك، فأقبل عليهم يقول لهم: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!" وتلا عليهم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}- أي بعد وحدتكم متفرقين، سمَّى الله الوحدة إيماناً والتفرّق كفراً - {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}، فندموا واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح.

لذلك فإننا نناشد أبناء شعبنا الفلسطيني بضرورة رص الصفوف وجمع الشمل وتوحيد الكلمة ، للدفاع عن المقدسات بصفة عامة، وعن المسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة،  فسر قوتنا في وحدتنا وإن ضعفنا في فرقتنا وتخاذلنا،  لذلك فإن الواجب الشرعي يُحَتّم علينا نحن الفلسطينيين أن نُوحد كلمتنا، وأن نترفع على جراحاتنا؛ كي نحافظ على مقدساتنا، ونعمل على إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إن شاء الله، كما ندعو أبناء شعبنا  لشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك؛ لإعماره وحمايته من المؤامرات الخطيرة وضرورة التواجد فيه بصفة دائمة،وليعلم الجميع بأن الباطل مهما قويت شوكته وكثر أعوانه فلا بُدَّ له من يوم يَخِرّ فيه صريعاً أمام قوة الحق والإيمان، {  كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ}.

نسأل الله أن يحمي بلادنا ومقدساتنا من كل سوء

الدعاء.....