2023-09-22

لا لصفقة القرن
2020-02-07

الخطبة الأولى

أيها المسلمون :

      أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأَوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ).

            إنّ بلادنا فلسطين أرض مباركة مُقَدَّسة، بل هي من أقدس البلاد وأشرفها، ولها في قلوب المسلمين جميعاً مكانة سامية، وقد أثنى نبينا - صلى الله عليه وسلم -  على المسلمين المُقيمين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وأنَّ منهم الطائفة المنصورة إن شاء الله تعالى، فبيت المقدس سيبقى إن شاء الله حِصْناً للإسلام إلى يوم القيامة على الرغم من المِحَن التي تعصف بالأمة، ومن المعلوم أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قد رَغَّبَ في السُّكْنى والمرابطة في هذه البلاد المباركة الطيبة، فبيت المقدس ثغرٌ من ثغور الإسلام، وللرّباط فيه أجرٌ كبير، وللإقامة فيه وعدم مغادرته والهجرة منه ثوابٌ عظيم، كما قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم- : "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا...". 

أيها المسلمون :

إن الولايات المتحدة الأمريكية الطرف الراعي لصفقة القرن والضاغط لتنفيذها هي عدوٌ للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، حيث إنها أعلنت منذ انطلاق مشروعها الإجرامي المعروف بصفقة القرن بأن القدس عاصمة أبدية لكيان الاحتلال، ونقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، ووافقت على ضَمِّ أراضٍ من الضفة لكيان الاحتلال، وأعلنت عن سيادة الاحتلال على الجولان، وتعمل على تجفيف الأموال عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تمهيدًا لتصفية قضية اللاجئين، ومنعت المساعدات عن المستشفيات والمؤسسات ،كما أغلقت البعثة الفلسطينية في واشنطن، وقد بدأت بالخطوات العملية لتصفية القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية سياسية لشعب طُرِدَ من أرضه ويريد العودة إلى وطنه إلى قضية إنسانية تحتاج لبعض المال.

إننا نطالب بضرورة التصدي لهذه الصفقة الإجرامية؛ لأنها تعمل على تصفية القضية الفلسطينية، وتهدف إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي على حساب الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، مؤكدين في الوقت ذاته على أنَّ حَلَّّ القضية الفلسطينية يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى أرضهم المباركة، وخروج جميع الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال، مُثَمّنين مواقف الدول الرافضة لهذا المشروع التصفوي.

أيها المسلمون :

من المعلوم أنّ بلادنا فلسطين تحتلّ مكانة مميزة في نفوس العرب والمسلمين، حيث تهفو إليها النفوس وتشدّ إليها الرحال من كل أنحاء المعمورة، ففيها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وهي أرض النبوات، وتاريخها مرتبط بِسِيَرِ الرُّسُلِ الكرام -عليهم الصلاة والسلام- .

ففلسطين بقعة مباركة بل هي من أقدس البلاد وأشرفها، وهي عزيزة علينا دِيناً وَدُنيا ، قديماً وحديثاً، ولن نُفَرِّط فيها أبداً مهما كانت المُغريات، ومهما عَظُمت التهديدات.

إننا نؤكد على أن فلسطين ليست للبيع وأن شبرًا واحدًا من أرضها المباركة أغلى من كلّ مليارات الدنيا، وأن مدينة القدس هي مدينة فلسطينية عربية إسلامية، فشعبنا الفلسطيني قَدَّم مئات الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى والمبعدين دفاعًا عن وطنه ومقدساته، كما قَدَّم أبناء الأمتين العربية والإسلامية عشرات الآلاف من الشهداء دفاعاً عن أرض الإسراء والمعراج.

أيها المسلمون :

إِنّ وحدة المسلمين وتضامنهم عمل يُمَثِّل قطب الرَّحى وطوق النجاة لسفينة المسلمين، فالمسلمون لن ترتفع لهم راية ولن يستقيم لهم أَمْرٌ مالمْ يكونوا متضامنين مجتمعين على كلمة واحدة، فقد جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أمة ممزقة مبعثرة فجمعها ووحَّد كلمتها، ثم جمع العرب على اختلاف أوطانهم وجعلهم أمة واحدة بعد أن كانت الحروب مستعرة بينهم وصهرهم جميعاً في بوتقة الإسلام، فجمع بين أبي بكر القرشي الأبيض وبلال الحبشي الأسود، وصهيب الرومي وسلمان الفارسي، جعلهم إخوة متحابين بعد أن كانوا أعداء متخاصمين، وأزال ما بين الأوس والخزرج من خلاف، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأصبح المسلمون بفضل الله كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُمّى والسهر، والله سبحانه وتعالى يُرْشدنا إلى ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.

لقد حصل مرة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن نشأت بين بعض الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-مشادَّة كلاميَّة سُمِع منها ارتفاع الصوت، فأخرجت أمّ المؤمنين أمّ سلمة-رضي الله عنها-يدها من الحُجرة الطاهرة، وأخذت تقول لهم: إنّ نبيكم يكره التفرُّقَ، ثم تَلَتْ عليهم قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، وتعني أنّ الخِصَام أساس الفرقة، والفرقة أساس البلاء.

    أيها المسلمون :

إنّ الموقف الفلسطيني المُوَحَّد في رفضه لصفقة القرن وتصديه لها يُوجب علينا  أن نعمل فورًا على إنهاء الانقسام البغيض، وأن ننشر ثقافة الوحدة والأخوة والتسامح بين أبناء شعبنا من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وفي أدبياتنا وفي خُطبنا وفي محاضراتنا، فشعبنا الفلسطيني شعب واحد يسعى لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، فيا أبناء شعبنا المرابط ترفَّعوا على خلافاتكم وافتحوا صفحة جديدة من المحبة والأخوة، فنحن شعب واحد، ولنا هدف واحد، ومن المعلوم أنّ سِرّ قوتنا في وحدتنا ، وأنّ ضعفنا في فرقتنا، وأن الوحدة هي السبيل الوحيد لإنهاء الاحتلال والمحافظة على المسجد الأقصى والقدس وفلسطين أرض الإسراء والمعراج، فالوحدة فريضة شرعية وضرورة وطنية.

إننا نؤكد على تمسكنا بأرضنا المباركة فلسطين بصفة عامة ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك والمقدسات بصفة خاصة، كما نُشدّد على تمسكنا بحقنا في العودة إلى أرض الآباء والأجداد، هذا الحق المقدس لملايين الفلسطينيين في العالم، كما نؤكد على حقنا في إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس، وخروج جميع  الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال؛  ليتنفسوا نسائم الحرية وليسهموا في بناء هذا الوطن كما أسهموا في الدفاع عنه .

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله ....

الخطبة الثانية  

    أيها المسلمون :

من الأمور المبشرة بالخير، والدالة على تمسّك شعبنا الفلسطيني ببلادنا المباركة فلسطين وعاصمتنا مدينة المقدس ومسجدنا الأقصى المبارك والمسجد الإبراهيمي وجميع مقدساتنا، ما نراه يومياً من مواقف مشرفة لأهلنا في المدينة المقدسة  وفي مدينة الخليل، الذين يعمرون المسجد الأقصى المبارك والمسجد الإبراهيمي، فقد أثبتوا أنهم مع أهلنا من فلسطينيي الداخل وجميع أبناء شعبنا الفلسطيني على قدر المسؤولية، وأنّهم يستحقّون هذا الشرف الذي تحدّث عنه النبي -صلي الله عليه وسلم- في العديد من الأحاديث الشريفة حول الطائفة المنصورة في فلسطين والقدس والأقصى.

إن هذه المواقف المشرفة لأهلنا في القدس والخليل وفلسطينيي الداخل وشعبنا الفلسطيني المرابط هي صفحة مُشرقة تُضاف إلى الصفحات المُشرقة لنضالات شعبنا عبر التاريخ، فقد علّمت المحتل درساً بأن إجراءاته الظالمة لن تمرّ على شعبنا ولن يُوافق عليها إطلاقا، وفي طليعته الفئة المؤمنة في المدينة المقدسة التي لا تقبل بأيِّ إجراءات للاحتلال، فالقدس مدينة عربية إسلامية، والمسجد الأقصى المبارك مسجد إسلامي خالصٌ ليس لليهود أيّ حق فيه، وصاحب السيادة عليه هي الأوقاف الإسلامية .

     أيها المسلمون :

إن الواجب على الأمتين العربية والإسلامية مساندة شعبنـا الفلسطيني ، ودعم المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس الذين أثنى عليهم رسولنا – صلى الله عليه وسلم –  خيراً،  كما جاء في الحديث الشريف : ( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأَوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ).

 فعلى الأمتين العربية والإسلامية  واجب كبير تجاه أشقّائهم في فلسطين عامة ومدينة القدس بصفة خاصة، وذلك بمساندتهم والوقوف معهم ودعمهم مادياً ومعنوياً، كما جاء في الحديث الشريف عن ميمونة مولاة النبي-صلى الله عليه وسلم- قالت: ( يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ: أَرْضُ الْمَحْشَرِوالْمَنْشَر، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فيِه، فَإِنَّ صَلاَةً فِيِه كَأَلْف صَلاَة فِي غَيْرِهِ، قَلتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إليه؟  قال: فَتُهْدِي لَهُ زَيْتاً يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذِلكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ)(4)، ومن المعلوم أن ارتباط المسلمين بهذه البلاد المباركة هو ارتباط عقديّ، وليس ارتباطاً انفعالياً عابراً أو موسمياً مؤقتاً، لأنّ حادثة الإسراء من المعجزات، ولأنّ المعجزات جزء من العقيدة الإسلامية.

    أيها المسلمون :

إننا نُطالب أبناء الأمتين العربية والإسلامية ألاَّ يتركوا المسجد الأقصى وحيداً ، فالواجب عليهم ضرورة العمل على إعادة قضية الأقصى والقدس وفلسطين إلى صدارة العمل العربي والإسلامي؛ لأنها القضية المركزية للأمة، وكذلك اتخاذ موقف حازم من نقل بعض الدول لسفاراتها إلى القدس، وضرورة مقاطعة هذه الدول التي تقوم بنقل سفاراتها سياسيًا واقتصادياً؛ لأنها تُعلن الحرب على ملياري مسلم، فالقدس لا يُمْكن أن تُنسى أو تُترك لغير أهلها مهما تآمر المتآمرون وخطَّط المحتلون.

إن فلسطين بصفة عامة ومدينة القدس  بصفة خاصة تحتاج إلى وقفة جادة من الأمتين العربية والإسلامية؛ لوقف المُخَطَّط الإجرامي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي ضدّ شعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة، وكذلك للمحافظة على المدينة المقدسة ولؤلؤتها المسجد الأقصى المبارك، ولدعم المقدسيين في شتى المجالات الإسكانية والتعليمية والصحية والإغاثية؛ للصمود والثبات فوق أرضهم المباركة، ففلسطين والقدس تستحق منّا الكثير.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

الدعاء.....