نعى الشيخ الدكتور / يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك النائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق الباحث والمؤرخ الفلسطيني الشيخ/ عباس نمر عبد الله عليان، الذي انتقل إلى رحمته تعالى اليوم الأحد 23/ربيع الآخر/ 1443هـ الموافق 28/11/2021م بمدينة رام الله عن عمر يناهز ثمانية وستين عاماً.
وقال الشيخ / سلامة: لقد فقدتْ بلادنا المباركة فلسطين باحثاً ومؤرّخاً أسهم في الكتابة التّأريخية والتوثيقية عن مُدُنِ فلسطين وَقُراها المُحتلّة، فكان من الباحثين الذين خدموا دينهم وشعبهم ووطنهم بكلّ إخلاص، إنّه الشيخ / عباس نمر عبد الله عليان – رحمه الله-.
إِنّ ديننا الإسلامي الحنيف قد حَثَّنا على ذكر محاسن الموتى ومآثرهم؛ ليتّعظ النّاس بها، ففي ذلك تنبيهٌ لقلوبهم وشَحْذٌ لِهِمَمِهِمْ، كما جاء في الحديث عن ابن عمر– رضي الله عنهما- أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - قال: (اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ، وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِئِهِمْ).
لقد استطاع فقيدنا – رحمه الله – ببحوثه وكتاباته أنْ يُبرز تاريخ المُدن والقُرى الفلسطينية المحتلّة، من خلال تعريف أبناء شعبنا الفلسطيني وأجياله بتاريخ بلاده وبالقُرى التي دمّرها الاحتلال الإسرائيلي؛ لتظلّ حيَّة في أذهان أبنائنا فلا ينسونها أبداً .
ومن المعلوم أنّ كتابات الشيخ – رحمه الله- ومؤلّفاته كانت مُمَيَّزة، فقد دافع عن قضايا شعبه الذي يتعرّض للقتل والتشريد ، كما دافع عن مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك والمقدّسات ، حيث كان مُلتزماً بالخطّ الوطني والمنهج العلمي في الكتابة والتّأريخ، وكان يرجو أن يُحقّق شعبنا أمله في استعادة وطنه والعودة إلى المُدن والقُرى المحتلّة التي أسهم في تخليدها– رحمه الله- في بُحوثه وكتاباته في صحيفة القدس الغرّاء، والتي كانت بعنوان: ("كي لا ننسى ...اعرف وطنك"، "مِنْ قُرانا الفلسطينية المُدَمَّرة")،وكان يكتب زاوية أسبوعية في الصّفحة الدّينيّة بصحيفة القدس بعنوان: (فذكِّر إنْ نفعت الذّكرى) حتى وفاته – رحمه الله-، كما كان يُشرف على مسابقة القدس الرّمضانية السّنوية في شهر رمضان المبارك في صحيفة القدس .
لقد تعرّفتُ على الشيخ / عباس نمر -رحمه الله- عندما تولّيت مهام وزارة الأوقاف والشئون الدينية، حيث كان– رحمه الله- مديراً لمديرية إحياء التراث الإسلامي في الوزارة، فوجدتُ نفسي أمام باحثٍ نشيطٍ، مُخْلِصٍ في عمله وكتاباته، مُحِبٍّ لوطنه ومدافعٍ عنه في جميع الميادين.
ويُعَدُّ الشيخ/ عباس نمر – رحمه الله– من الكُتّاب والمُؤرّخين المُبدعين في بلادنا المباركة فلسطين، حيث إنّه عضو اتحاد المؤرخين العرب، وعضو مؤسّس للموسوعة الفلسطينية، ومحاضر دائم في مؤتمر يوم القدس بجامعة النجاح الوطنية، وكاتب وباحث في صحيفة القدس منذ عام 1994م، وشارك في العديد من المؤتمرات العربيّة والمحلّيّة ومنها: المؤتمر الدّولي بعنوان: (القدس في المصادر التاريخية) والذي أقامته وزارة الأوقاف الفلسطينية في مقرِّ جامعة الدول العربية بالقاهرة سنة 2005م، وقد أثرى – رحمه الله – المكتبة الفلسطينية بالعديد من الكُتب والأبحاث العلمية والمقالات، ومن أشهرها: مقدّساتنا وأطماع اليهود ، إصدار وزارة الأوقاف سنة 1999م، مدينة اللد...بيّارة الذكريات، إصدار وزارة الأوقاف سنة 1996م، مقام النبي موسى... بين الأمس واليوم (مترجم إلى عدّة لغات)، دير أيوب قرية تتحدّى الطّمس كتاب شامل عن تاريخ القرية سنة 1993م، وأبحاث عديدة عن قُرى فلسطين المُدمّرة نُشِرت تباعاً في صحيفة القدس منذ العام 1994م، وأبحاث عن مُدُن فلسطينية نُشِرت تباعاً في صحيفة القدس وشملت كلاًّ من: القدس، ويافا، وعكا، والرملة، ونابلس، والخليل، ورام الله، والبيرة، وغزة.
لقد تُوفّي الشيخ / عباس نمر – رحمه الله- صباح اليوم الأحد بعد إصابته بفايروس كورونا، وصبر – رحمه الله- على البلاء والمرض، ومن المعلوم أنَّ الصبر نصف الإيمان، والتّحلّي بالصبر مِنْ شِيَمِ الأفذاذ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّاعُونِ، فأخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ (كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطّاعُونُ فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إلاَّ مَا كَتَبَه اللّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشَّهِيدِ)، قال الإمام الحافظ ابن حجر- رحمه الله - في كتابه "فتح الباري بشرح صحيح البخاري " عند شرحه للحديث السابق: (...كما اقتضى منطوقه أنَّ من اتَّصّف بالصّفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد وإن لم يمت بالطاعون).
إِنَّ عقيدة الإسلام علَّمتنا أنَّ الخلود لله عزَّ وجلَّ، وأنَّ كلَّ مَنْ عليها فان، وأنَّ كتاب الله لَيَعِدُ بِحُسْنِ الصَّبر عَمَّن نفقد حُسْنَ العوض منه، وإنَّا لنستنجزُ الله وعده أنْ يهبنا- ونحن الضعفاء- قوّة من عنده ورحمة من لدنه.
رحمك الله يا أبا عبد الله رحمة واسعة
نسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يُكْرم نُزُله، وأنْ يُعَوِّضنا عنه وعن أمثاله خيرَ العوض، اللهمَّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، واغفر لنا وله ولجميع المسلمين والمسلمات يا ربّ العالمين.
وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين