دعا الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك النائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس إلى اغتنام هذه الأيام المباركة التي نعيش في ظلالها، والتي مَنََّ الله سبحانه وتعالى بها على عباده وجعلها لهم مَدَدًا وعَوْنًا، وخيرًا وبركة، وموسمًا يتقربون فيه إليه، فقد حثَّ رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – على العمل الصالح فيها واغتنامها، والإكثار من الطاعات في لياليها وأيامها، كما رُوي عنه – صلّى الله عليه وسلّم – أنه قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ- رسولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بشَيْءٍ)، إنها العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، فهي أيام مباركة طيبة أقسم الله بها في كتابه الكريم لبيان فضلها وعُلُوِّ قدرها، فقال سبحانه وتعالى: (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، وقال سبحانه وتعالى أيضًا في شأنها: (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- (في أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) هي أيام عشر ذي الحجة، فيَا لَهاَ من أيام مباركة عند الله عزّ وجلّ، الأعمال الصالحة فيها مُضاعفة والثواب كبير .
وفي هذه الأيام يوم عرفة الموافق التاسع من شهر ذي الحجة، فهو يوم مبارك، تتنزّل فيه الرّحمات، لقول الرَّسول الأكرم – صلّى الله عليه وسلّم-: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ )، فمن فاته صيام الأيام السابقة من شهر ذي الحجة، فعليه أن يحرص على صيام يوم عرفة إن شاء الله تعالى.
ولفتَ إلى أنّ السَّلف الصالح كانوا يُحيون هذه الأيام بالأعمال الصالحة ويجتهدون فيها اجتهادًا عظيمًا، من تلاوة للقرآن وذكر واستغفار وصلة للأرحام وبرّ للوالدين وتفريج للكُربات وقضاء لحوائج الناس والصدقة على الفقراء والمُحتاجين، والمُحافظة على النّوافل والصّلوات وكفّ الأذى عن الآخرين وحفظ اللسان من الغيبة والنميمة، وأعظم ما يُستقبل به هذا الموسم هو التوبة النّصوح من جميع الذنوب والآثام والعزم على العمل الصالح إن شاء الله تعالى.
إن العيد في الإسلام يوم فرح وسرور، يُحِبّ الله سبحانه وتعالى فيه أن تظهر آثار نِعَمِهِ على عباده، وفي العيد دعوة لصلة الأرحام كما جاء في قوله – صلّى الله عليه وسلّم - : ( ... وَمَن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فَليَصلْ رَحمه).
وفي العيد دعوة لتأكيد أواصر المودة بين الجيران و الأصدقاء ، وضرورة التَّعالي على أسباب الحقد والشحناء لقوله – صلّى الله عليه وسلّم - : (خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ تَعالى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ تَعالى خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ)، وفيه يعطف الأغنياء على الأيتام و الفقراء والمحتاجين ، فتدخل البسمة والفرحة كلّ البيوت ، وتظهر وحدة المسلمين وتكافلهم فهم كالجسد الواحد ، فليس بينهم محزون ولا محروم.
وفي العيد شرع الله الأضاحي، تقرُّباً إليه بدمائها وتَصَدُّقاً على الفقراء بلحمها خاصة في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها بلادنا المباركة، مِمَّا يُعَزِّز أواصر المحبّة والتكافل بين أبناء شعبنا الفلسطيني المرابط، والأضحية من شعائر الإسلام ورمز للتضحية والفداء وسنة أبي الأنبياء إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- .
وبهذه المناسبة فإننا نتقدم من أبناء شعبنا الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية بأصدق التهاني والتبريكات بِقُرْب حُلُول عيد الأضحى المبارك، سائلين المولى عزَّ وجلَّ أن يجعله عيد خير وبركة على شعبنا الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، وأن يأتي العيد القادم وقد جمع الله شملنا وَوَحَّدَ كلمتنا وألَّف بين قلوبنا ، إنه سميع قريب، تقبّل الله منا ومنكم الطاعات ، وكلّ عام وأنتم بخير.