2023-06-11

العيد ... فرحة وصلة أرحـام


2023-04-21

الحمد لله ربّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين محمد – صلّى الله عليه وسلّم -، وعلى آله وأصحابه الطَّيبين الطَّاهرين، ومن اقتفى أثرهم وَسَارَ على دربهم إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

 أخرج الإمام أبو داود في سُننه عن أنس – رضي الله عنه- قال : (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَالَ:  مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟، قَالُوا:  كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا:  يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) (1) .

لقد مَنَّ الله سبحانه وتعالى على الأُمّة الإسلامية بأنْ شرع لهم العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى؛ ليفرح المسلمون بهما بعد أدائهم لعبادة الصّوم في شهر رمضان، وأداء فريضة الحج في شهر ذي الحجة ، فعيد الفطر مُكافأة إلهية للصائمين المُخلصين، الذين صاموا نهار رمضان ، وقاموا ليله، وأحسنوا فيه العمل الصالح، كما جاء في الحديث الشريف أنَّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- قال : (...وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ‏)(2).

فَحُقَّ للمسلمين أنْ يفرحوا بنعمة الله عليهم بإتمام عِدّة رمضان ، ويُكبّروا الله على ما هداهم، ويشكروه على ما تفضّل به عليهم من نِعَمِه، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى :{وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(3)، لك الحمد رَبَّنَا، ذِكْراً وشكراً، بما أنزلتَ، وبما تفضَّلْتَ به علينا من أجر الصائمين القائمين والعاكفين والرّكّع السّجود، سلاماً منك ورحمة في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، إلاَّ مَنْ أَتَى الله بقلب سليم.

يــوم الجائــزة

يستقبل المسلمون عيد الفطر المبارك، ليفرح فيه المؤمنون الصّائمون، يفرحون شكراً لله سبحانه وتعالى الذي وَفّقهم لصيام نهاره وقيام ليله، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}(4) ،و الله عزَّ وجلَّ يُقَدِّمُ لعباده المؤمنين الذين صاموا رمضان وقاموا لياليه جائزة التّوفيق في أعمالهم، كما جاء في الحديث الشريف أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْمَلائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ ، فَنَادَوْا : اغْدُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَمُنُّ بِالْخَيْرِ ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ ، فَإِذَا صَلَّوْا ، نَادَى مُنَادٍ : أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ ، فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الْجَائِزَةِ) (5).

هنيئًا لمن صام رمضان حَقَّ الصيام وقام ليله حَقَّ القيام .

هنيئًا لمن وَاظَبَ على الطاعات والقُربات واجتنب المعاصي والمُوبقات .

هنيئًا لمن رسم البسمة على شفاه الأيتام والفقراء والمُحتاجين .

هنيئًا لمن بَرَّ والديه وَوَصَلَ رَحِمَه وأحسن إلى جاره.

هنيئًا لمن عَقَدَ العزم على الاستمرار في طاعة الله عزّ وجلّ.

فضل صلة الأرحام في العيد

لقد اهتمّ ديننا الإسلاميّ بصلة الأرحام وحثَّ عليها، وَأَكَّد على ضرورة المُحافظة عليها والعناية بأمرها، حتى جعلها مرتبة مُتقدمة من مراتب الإيمان، حيث ربط رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم- بين صلة الأرحام والإيمان،  وجاءت الوصيّة بها أيضاً بعد تقوى الله عزَّ وجلَّ، كما قال – عليه الصّلاة والسّلام-(...ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) (6).

ومن المعلوم أَنَّ العيد مناسبة اجتماعية مُهِمَّة للتقارب بين أفراد العائلة ، وَصِلَة الأرحام التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها، فقال عزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ}(7)، فهي عبادة يتقرَّب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، ويكفي صلة الرَّحم قدراً أنّ الله عزَّ وجلَّ اشتقَّ لها اسماً من اسمه ، كما جاء في الحديث الشريف (أَنَّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- قَالَ: قَالَ اللَّهُ:  أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ)(8 ).

كما  وحثَّ رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم- على صلة الأرحام، وأنها سبب في زيادة الرزق، والبركة في العُمر، كما جاء في الحديث الشريف أنَّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ له فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) ( 9)، وبيَّن لنا أنها سببٌ في دخول الجنة أيضاً، فقال – صلّى الله عليه وسلّم- : ( يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ! أَفْشُوا اَلسَّلام, وَصِلُوا اَلأَرْحَامَ, وَأَطْعِمُوا اَلطَّعَامَ, وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ, تَدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) (10).

وقد حذَّر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين من قطيعة الرَّحِم وما يترتب عليها من العقاب، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}( 11)، كما بيَّن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أنَّ قطيعة الرَّحم سبب في عدم دخول الجنّة، كما جاء في الحديث الشريف  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلّم- قَالَ : (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ‏)( 12 ).

وفي العيد يظهر الناس وقلوبهم مُتَحَابَّة وصدورهم مُتصافية وأيديهم مُتصافحة، فتبدو أُخُوّة المسلمين كأقوى رابطة وأوثق صِلَة، إذ العيد في الإسلام مُناسبة طيبة لجمع الشمل وصفاء القلوب، وبرّ الوالدين واجتماع الإِخْوة، ووسيلة للتعارف وصلة الأرحام.

فالعيد مُناسبة مُباركة ، يجمع الله بها شمل المؤمنين، حيث يتقابلون في المساجد والمُصَلَّيات والأسواق والطُّرقات فيصافح كلٌ منهم الآخر ، ويتبادلون التّهاني والتبريكات، ومن السُــنـَّة قَوْلُ المسلم لأخيه المسلم يوم العيد مُهنئاً: (تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ)(13).

 فضل صيام الست من شوال

اعلم أخي المسلم بأنّ العبادة والطاعة لا تنقطع وتنتهي بانتهاء شهر رمضان المبارك، فلئن انقضى صيام شهر رمضان فإنّ المؤمن لن ينقطع عن عبادة الصيام ، فالصيام لا يزال مشروعاً، فقد روى أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)(14) ،وجاء تفسير ذلك في حديث آخر رُوِيَ عن ثوبان ، أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - قال: ( صِيَامُ شَهْرٍ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ ، وَسِتَّة أَيَّامٍ بَعْدَهُنَّ بِشَهْرَيْنِ ، فَذَلِكَ تَمَامُ سَنَةٍ ) (15)، يعني – شهر رمضان وستة أيام بعده - ، فصيام رمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بشهرين، أي: صام السَّنة كلّها، وإذا استمرَّ على ذلك في كلّ سنة فقد صام الدّهر كله، وقد تعدَّدت آراء العلماء في ذلك، فبعضهم يقول: يتبعها في اليوم الثاني للعيد، والبعض قال: المُهِم أن تكون في شوال، وليس من الضروري أن يصومها ستاً مُتتابعة، وَيُمكنه صيامها مُتفرقة .

ومن فضل الله علينا أنّ رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم -  قد شرع صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر لحديث أبي ذر رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم -  قال : (يَا أَبَا ذَرٍّ  إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَصُمْ ثَلاثَةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ) (16)، وكذلك صيام يوم عرفة، وصيام يومي الاثنين والخميس، وصيام شهر الله المُحَرّم.

نداء لمن قَصَّر في رمضان

نقول لِكلِّ من فَرَّطَ أو قَصَّر أو ضاع منه شهر رمضان : لا تَيْأَسْ من روح الله سبحانه وتعالى ولا تقنطْ من رحمته ، فربّك الغفور ذو الرحمة لِكلِّ من تاب إليه وأناب ، فارفع يديك إليه وتضرّع بين يديه، وأكثر من الاستغفار والدعاء، فإن الله غَفّارٌ لِمَن تاب وعمل صالحاً ثم اهتدى  .

وعلينا أن نتذكّر دائماً قول الله تعالى:{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(17)، وقوله سبحانه وتعالى أيضا: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}(18)، فأين هذا من أولئك الذين ينسون الله سائر العام، ولا يذكرونه إلا في شهر رمضان ، ويعصونه ويكفرون نِعَمَه، ويجحدون فضله أحَدَ عشر شهراً، ثم يَمُنُّونَ على ربهم أن عبدوه شهراً واحداً، هذا جهلٌ وتفريط، جهلٌ بحقّ الله على عباده، وتفريط بواجبهم نحوه سبحانه وتعالى.

        تقبَّل الله منّا ومنكم الطاعات، وكلّ عام وأنتم بخير، ونسأله سبحانه وتعالى أنْ يعيد علينا  شهر رمضان القادم باليُمن والخير والبركات، وقد جمع الله شملنا وَوَحَّدَ كلمتنا وألف بين قلوبنا، إنّه سميع قريب .

 وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

الهوامش:

1-       أخرجه أبو داود                                            

2-       أخرجه البخاري                           

3-       سورة البقرة الآية (185)              

4-       سورة يونس الآية (58)

5-       ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد                        

6-       أخرجه البخاري           

7-       سورة النساء الآية (1)  

8-       أخرجه الترمذي

9-       أخرجه البخاري           

10-   أخرجه ابن ماجه          

11-   سورة محمد الآية (22-23)           

12-   أخرجه مسلم

13-   أخرجه الطبراني                           

14-   أخرجه مسلم               

15-   أخرجه الدارمي            

16-   أخرجه الترمذي           

17-   سورة إبراهيم الآية (7) 

18-  سورة البقرة الآية (152)