2023-09-22

الإسلام ...واليوم العالمي للشباب


2023-08-11

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على رسوله الأمين محمّد – صلّى الله عليه وسلّم-، وعلى آله وأصحابه الطّيبين الطّاهرين، ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

تمرُّ بنا في هذه الأيام ذكرى اليوم العالمي للشباب، والتي تأتي في الثاني عشر من شهر أغسطس في كلّ عام، ونحن في كلّ مناسبة نُبَيِّن وجهة نظر الإسلام كي يكون المُسلم على بيِّنة من أمر دينه.

إِنَّ الشباب هم أعظم ثروة في الأُمّة، فثروة الأُمم ليست في  الذّهب الأبيض  ولا في الذّهب الأسود ، وإنّما هي في الإنسان، فهو أغلى من كلّ شيء، وأقوى ما يكون الإنسان في مرحلة الشباب؛ لأنَّ مرحلة الشباب هي مرحلة القُوّة والعطاء، فالشباب قُوّة بين ضعفين: الطّفولة والشّيخوخة، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً }(1)، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الفِتْية الذين آمنوا بربِّهم: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}(2)، فهم جماعة من الشباب آمنوا بالله فَثَبَّتهم على الدّين وزادهم يقيناً .

ومن المعلوم  أنّ الشباب في كلّ أمة هم قلبها النابض، ودمها المُتدفّق، وعصب حياتها، وسِرّ نهضتها، وعنوان تقدّمها، وأمل مُستقبلها،  وبحر علمها الفَيَّاض، فهم أصحاب الهِمَمِ العالية والنّفوس الطّاهرة الزّكية؛ لذلك فقد أولى الإسلام شريحة الشباب عناية كبيرة، حيث كانوا أسرع شرائح المُجتمع استجابة للدّعوة الإسلامية، فقد  دخلوا –والحمد لله- في دين الله أفواجا.

حرصه – صلّى الله عليه وسلّم– على الشباب

إِنَّ الشباب هم عماد الأمة الإسلامية ومَبْعَث قوّتها وحضارتها ، فقد كان أكثر أصحاب نبيّنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم– شباباً؛ لذلك فقد حرص نبيُّنا– صلّى الله عليه وسلّم –  على العناية بهم وإعدادهم إعداداً جيِّداً، حيث تخرّجوا من مدرسة دار الأرقم  ونهلوا من توجيهاته – عليه الصّلاة والسّلام-.

لقد بيَّن رسولنا –صلّى الله عليه وسلّم- مكانة الشّاب المُلتزم بطاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته، فقال– صلّى الله عليه وسلّم–: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: ...، وشابٌّ نَشَأَ في عِبادة الله،...) (3)، ودعا – صلّى الله عليه وسلّم –الشباب لاغتنام الفُرَص لتكوين شخصيتهم في شتَّى المجالات، فقال-عليه الصّلاة والسّلام-: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ،  وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)(4)، كما أشار – صلّى الله عليه وسلّم– إلى أهمية هذه المرحلة وما يترتّب عليها من تَبِعَاتٍ ومُحَاسبة ومسؤولية أمام ربّ العالمين، فقال – صلّى الله عليه وسلّم- : (لا تَزُولُ قَدَمَا ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ  من عند ربّه حتى يُسْأَلَ عن خمسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وعن شبابِهِ فيمَ أبلاهُ، وَمَالِهِ من أين اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وماذا عَمِلَ فيما عَلِمَ )(5).  

الرّفق بالشباب

من المعلوم أَنَّ ديننا الإسلامي الحنيف لا يُحارب الشهوة أو الغرائز، لكنّه يعمل على تهذيبها ضمن الأُطُر الشرعية، فقد حَرَّم الإسلام الزّنا وأوجد البديل وهو الزّواج؛ لذلك نجد أَنَّ رسولنا– صلّى الله عليه وسلّم- يُخاطب  الشباب قائلاً: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) (6) .

وقد عالج – صلّى الله عليه وسلّم – بعض الحالات الشّاذة هنا وهناك بحكمته المعهودة، كما جاء في الحديث: (عن  أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ:  إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:  يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ  فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ قَالَ: لا، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟ قَالَ: لا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لا، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وََلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ، قالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ, وَطَهِّرْ قَلْبَهُ, وَحَصِّنْ فَرْجَهُ. قال: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ) (7).

وحفظ النّسل من أهمّ ما دعا إليه ديننا الإسلامي الحنيف، حيث اتفق علماء أصول الفقه على ضرورة صيانة الأركان الضرورية للحياة البشرية، وهي: الدّين والنّفس والعقل والنّسل والمال، فقد ذكر الإمام الغزالي في كتابه المُستصفى بأنّ حُرمة الضرورات الخمس لم تُبَح في مِلَّة قط، ومن الجدير بالذكر أَنَّ ديننا الإسلامي الحنيف يُريد شباباً أقوياء ومُجتمعاً مُتماسكاً، مبنيًّا على العلاقات المشروعة والأخلاق الفاضلة بين أبنائه، وهذا ما تتمتّع به المجتمعات الإسلامية والحمد لله، فعنوانها العِفّة والطّهارة  والنّقاء.

نداء من الأعماق

إِنَّنا نعيش في وقتٍ أحوج ما نكون فيه إلى الشباب، فواجبكم أيّها الشباب أَنْ تُشَمِّروا عن سَوَاعِد الجِدّ والعمل، وتنْفضوا عن كَوَاهِلِكُم غُبار الخُمول والكسل، وإذا كان الشباب مُخلصين مُؤمنين فإِنّهم يُحَقّقون لأنفسهم الفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة، ومن هنا كان للشباب دور الرّيادة والقيادة في تاريخ الإسلام المُشرق.

وأقول لإخواني الشباب: علينا أَنْ نتمسّك بالإسلام قولاً وعملاً وعقيدة وشريعة ودستوراً ونظام حياة، حتى تستقيم أمور حياتنا، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: " كنّا أَذِلاَّء فأعزَّنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العِزَّة في  غيره أَذَلَّنا الله"، كما يجب علينا أن نتحلّى بالأخلاق الإسلامية كالصّدق والأمانة والوفاء والتّسامح وحبّ الخير للنّاس جميعاً، فنحن أبناء شعب واحد وإخوة  في السّراء والضّراء.

وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

 

الهوامش :

  1. سورة الروم الآية (54)    
  2. سورة الكهف الآية(13)    
  3. أخرجه البخاري              
  4. أخرجه الحاكم
  5. أخرجه الترمذي        
  6. أخرجه البخاري              
  7. أخرجه أحمد