2023-09-22

في ظلال شهر ربيع الأول


2023-09-15

الحمد لله ربّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين محمد – صلّى الله عليه وسلّم -، وعلى آله وأصحابه الطَّيبين الطَّاهرين، ومن اقتفى أثرهم وسارَ على دربهم إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (1) .

جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير  هذه الآية الكريمة: [{لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} أي والله لقد أنعم الله على المؤمنين حين أرسل إِليهم رسولاً عربيًّا من جنسهم، عرفوا أمره وخبروا شأنه، وخَصَّ تعالى المؤمنين بالذّكر وإِنْ كان رحمة للعالمين؛ لأنّهم هم المُنْتفعون ببعثته {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} أي يقرأ عليهم الوحي المُنَزَّل {وَيُزَكِّيهِمْ} أي يُطَهّرهم من الذّنوب ودنس الأعمال {وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة} أي يُعلّمهم القرآن المجيد والسُّـنَّة المُطَهَّرة {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} أي وإِنّه الحال والشَّأن كانوا قبل بعثته في ضلال ظاهر، فَنُقلوا من الظُّلمات إِلى النّور، وصاروا أفضل الأمم ] (2 ).

يعيش المسلمون في هذه الأيام في ظلال أيامٍ مباركة من شهر ربيع الأول، يَتَفيَّأُون ظلالها، ويتعلّمون من دروسها وَعِظَاتها، وعندما يهلّ هلال شهر ربيع الأول في كلّ عام، يتذكَّر المسلمون ميلاد حبيبهم ورسولهم محمد– صلّى الله عليه وسلّم -، فهو  رسول البشرية بِأَسْرِها ، ومثال الإنسانية في أتمّ صُوَرِها، وهو رحمة الله للعالمين وخاتم النبيين،  ورحم الله القائل:

وُلِدَ الهُدى فَالكائِنات ضِياءُ       وَفَمُ الزَمــــانِ تَبَسُّـــمٌ وَثَناءُ

 حاجة البشرية إلى رسول الإنسانية 

لقد صَوَّر أمير الشعراء أحمد شوقي – رحمه الله – حال العالم قبل بعثته– صلّى الله عليه وسلّم–تصويراً صادقاً حكيماً، حيث كانت عبادة الأصنام مُنتشرة، كما كان الظّلم واقعاً ملموساً بين النّاس، وتنشب الحروب على أتفه الأسباب، وفارس والرّوم كانتا تعيثان في الأرض فساداً، والنّاس كالحيتان في البحر يفتك أقواهم بأضعفهم، ذَكَر ذلك – رحمه الله -  في قصيدته المشهورة "نهج البردة" فقال:

أَتَيْتَ والنّاسُ فَوْضَى لا تَمُرُّ بِهِم            إلاّ عَلَى صَنَمٍ قَدْ هَامَ فـِـي صَنَــــــمِ

والأَرْضُ مَمْلُوْءَةٌ جَوْراً،  مُسَخَّرَةٌ             لِكُلِّ طَاغِيَةٍ في الخَلْقِ مُحْتَكِــــــــمِ

فَعَاهِلُ الرُّومِ يَطْغَى في رَعِيَّتِــــهِ          وَعَاهِلُ الفُرْسِ مِنْ كِبْرٍ أَصَمّ عَــــــمِ

وخلال تلك الظّلمات التي سادت الإنسانية وقتئذ جاءت بعثة النّبي محمد – صلّى الله عليه وسلّم–؛ لإخراج الناس من الظّلمات إلى النّور، من ظُلمات الشرك إلى نُور التّوحيد، ومن ظُلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظُلمات القهر إلى نور العدل، فالرسول- عليه الصّلاة والسّلام- جاء رحمة للعالمين، وكما قال الصّحابي الجليل رِبْعيّ بن عامر - رضي الله عنه –: (إنّ الله قَدْ ابْتَعَثَنَا لِنُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ عِبَادَةِ العِبَادِ إلى عِبَادَةِ ربِّ العِبَادِ، وَمِنْ جَوْرِ الأدْيَانِ إلى عَدْلِ وَسَمَاحَةِ الإسْلاَمِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إلى سَعَةِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ).

لقد كان لكم في رسُول الله أسوة حسنة

       لقد كانت سيرته- صلّى الله عليه وسلّم- قدوة ً للمسلمين في كلّ شيء؛ لذلك فإِنَّ المسلمين  في مشارق الأرض ومغاربها يحرصون على  اقتدائهم بصاحب الذّكرى – صلّى الله عليه وسلّم– وسَيْرِهم  على هَدْيه – عليه الصّلاة والسّلام -، حتى يُحَقّقوا خيريَّتَهم في هذا العالم؛ لأنّه لن تتحقّق خيريَّتُهم  إِلاّ باتباع هديه وتعاليمه – عليه الصّلاة والسّلام-؛ لقوله سبحانه وتعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(3)، كما تَوَعَّدَ الله سبحانه وتعالى المُعْرضين عن هديِ رسوله– صلّى الله عليه وسلّم–، المُخالفينَ أمْرَهُ بالعذاب الأليم، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(4).

     ومن المعلوم أَنَّ الله سبحانه وتعالى قد حفظ نبيَّه – صلّى الله عليه وسلّم – من كلّ شيء لا يليق بمقام النّبوّة، فنشأ على أكمل ما تتحلّى به النّفوس من محاسن الأخلاق، فقد رفع -عليه الصّلاة والسّلام-  من شأن الأخلاق في حياة الإنسان، حيث دعا إلى مكارم الأخلاق وحَثَّ على التّمسك بها، فكان خيرَ قُدوة لأُمَّته.

  من خصائص النبي – صلّى الله عليه وسلّم-

   من الخصائص التي خَصَّ الله سبحانه وتعالى بها نبيِّنا– صلّى الله عليه وسلّم-  أنْ جعل رسالته رحمة للعالمين، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(5)،فرسولنا - صلّى الله عليه وسلّم-بُعِثَ إلى الناس كافّة، كما جاء في قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}(6).

* لقد اختار الله سبحانه وتعالى نبيَّنا– صلّى الله عليه وسلّم– خاتماً للنَّبيِّين؛ لقوله سبحانه وتعالى:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(7).

* وقد أعطاه الله سبحانه وتعالى سَبْعاً من المثاني والقرآن العظيم، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}(8).

*وأعطاه الله سبحانه وتعالى  الكوثر ، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى :{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}(9).

* وأعطاه الله سبحانه وتعالى الشّفاعة العُظمى والمقام المحمود، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}(10).

* كما جعل الله سبحانه وتعالى طاعته – صلّى الله عليه وسلّم– من طاعته، فقال سبحانه وتعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}(11).

اللهم أَحْيِنا على سُـنّته، وأَمِتْنا على مِلّته، واحشُرنا في زُمرته آمين ... يا ربَّ العالمين.

وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الهوامش:

  1. سورة آل عمران الآية (164 )
  2. صفوة التفاسير للصابوني 1/241        
  3. سورة الأحزاب الآية (21)   
  4. سورة النور الآية (63)
  5. سورة الأنبياء الآية (107)            
  6. سورة سبأ الآية (28)                   
  7. سورة الأحزاب الآية (40)             
  8. سورة الحجر الآية (87)        
  9. سورة الكوثر الآية (1)  
  10. سورة الإسراء الآية (79)              
  11. سورة النساء الآية (80)