2023-09-22

وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور
2007-06-01

 

 

 

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

يتعرض الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين الطاهرة لسياسة الاغتيالات والاعتقالات والتدمير التي لم يسلم منها أحد ، كما يتعرض شعبنا على أرض لبنان إلى سياسة الحصار والقتل والتدمير فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .    

  ونحن في هذه الأيام بحاجة إلى وقفة تأمل ننظر فيها إلى حاضر العالم الإسلامي كي نلتقط العبر والعظات في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لأخذ العبر والعظات.

لقد اقتضت إرادته سبحانه وتعالى أن يختبر المؤمنين، ليميز الله الخبيث من الطيب، وليظهر الحق من الضلال، تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، بعض الناس -وللأسف- يتصورون أن الابتلاء الإلهي هو غضب من الله، وهذا تصور خاطئ لما ورد في الحديث :"أي الناس أشد بلاء يا رسول الله؟ فقال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلى حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلى على حسب ذاك، فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" (1).

    فعند دراسة السيرة النبوية نلاحظ أن الرسول r عندما بدأ بتبليغ الرسالة واجه المشاق والمتاعب، وواجه المقاطعة، وجميع أشكال الأذى والتعذيب، ومع ذلك صبر، وسلم الأمر لصاحب الأمر، فما هي إلا فترة وجيزة، وإذا بالضيق ينقلب فرجاً والعسر يسرا، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.

ومن خلال دراسة التاريخ الإسلامي من مصادره الموثوقة نلاحظ أن الخط البياني للتاريخ الإسلامي متعرج، ينخفض انخفاضاً شديداً، ويرتفع ارتفاعاً شديداً، ويعلو ويهبط وفق القانون الإلهي "وتلك الأيام نداولها بين الناس" (2).

لقد هبط أمر المسلمين في قرون مضت حتى اغتصب الحجر الأسود، أخذه القرامطة قسراً، وظل عندهم نحو ربع قرن، فما عاد إلا بعد لأي.

وهبط مستوى التاريخ الإسلامي إلى الحضيض يوم دخل التتار بغداد وقتلوا الخليفة وأذلوا الأمة الإسلامية أشد الذل، ولكن هذا التاريخ الذي هبط سرعان ما علا وارتفع فما مضى قرن حتى كان المسلمون يدقون أسوار فينا –عاصمة النمسا- ثم قبل ذلك وصلوا مخترقين الأندلس إلى جنوب فرنسا إلى أواسط سويسرا.

هذا التاريخ الذي يتأرجح بين مد وجزر حقيقة لا بد من الاعتراف بها.

فحدوث بعض المصائب في هذه الأيام أمر لا يدعو المسلم إلى اليأس، والاعتراض على إرادة الله بل لا بد أن يصبر، فالصبر نصف الإيمان.

إن القنوط واليأس أمر يفتك بالأمم، من هنا حارب الإسلام ذلك وأوجد البديل، حارب اليأس وأوجد الأمل، وحارب التشاؤم  وأوجد التفاؤل.

وكان رسول الله r متفائلاً في جميع أحواله فيوم اجتمع أعداء الإسلام من كل حدب وصوب لمحاربته في غزوة الخندق كان الرسول والمسلمون في حالة صعبة كما وصفهم القرآن الكريم :"إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً" (3).

ومع ذلك كان الرسول متفائلاً بنصر الله وبشر الصحابة بأن نصر الله آت، فعندما اعترضتهم صخرة صلدة أثناء حفرهم للخندق ضربها بفأسه، وإذ بثلاث شرارات تتطاير فقال r ابشروا أما الأولى فقد أضاء الله لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأما الثانية فقد أضاء الله لي منها قصور الروم، وأما الثالثة فقد أضاء الله لي منها قصور صنعاء فإن الإسلام بالغ ذلك لا محال.

وهذا التفاؤل بنصر الله كان مرافقاً للرسول r في حله وترحاله ألم يقل r لسراقة بن مالك يوم أن لحقه وهو مهاجر من مكة إلى المدينة يريد أن يظفر بجائزة قريش لمن أتى بالرسول عليه السلام حياً أو ميتاً، يا سراقة عد وإنني أعدك بسواري كسرى.

من كان يتصور أن الاتحاد السوفيتي سيتفكك، وأن حلف وارسو سيزول.

إن الله عز وجل إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون.

وإن القرآن الكريم يقول :" فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا" (4) فالعسر جاء معرفا، والمعرفة إذا كررت كانت عين الأولى، واليسر جاء منكراً والنكرة إذا كررت كانت غير الأولى، فلن يغلب عسر يسرين.

فالمؤمن يجب أن يكون متفائلاً بفرج الله كما ورد عن تميم الداري قال :سمعت رسول الله r يقول :              "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر أو بر إلا أدخله هذا الدين، يعز عزيزاً ويذل ذليلاً، عزا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر" (5).

وكلمة ما بلغ الليل والنهار في هذا الحديث الرائع كلمة جامعة من خصائص البلاغة المحمدية، ولا أرى نظيراً لها في الدلالة على السعة والانتشار‍.

فعلينا أن نكون متفائلين، وأن نثق بفرج الله، وأن نوكل الأمر لصاحب الأمر، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وأن الفجر آت بإذن الله، رغم المشككين، رغم الحاقدين.

ولرب نازلة يضيق بها الفتى                  ذرعاً، وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها                       فرجت، وكنت أظنها لا تفرج

إن شعبنا الفلسطيني أحوج ما يكون إلى الوحدة والمحبة، والتكاتف والتعاضد، ورصّ الصفوف، وجمع الشمل، وتوحيد الكلمة خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة في هذا الوقت العصيب.

فالواجب على أبناء الأمة أن يكونوا أخوة متحابين، وأن يتعاونوا على البرّ والتقوى كما قال العلماء: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)، وأن الواجب علينا أن نتخلق بالأخلاق القرآنية.

ففي ظل التعاليم القرآنية والسنة النبوية الشريفة عاشت البشرية حياة الخير والسعادة: }فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى{ (6).

أما آن لنا أن تخشع قلوبنا لذكر اله وسنة رسوله.

}يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم{.

اللهم اجمع شملنا، ووحد كلمتنا، وألف بين قلوبنا، وأزل الغلّ من صدورنا بكرمك وفضلك يا أكرم الأكرمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الهوامش:

1- أخرجه البخاري.                                                2- سورة آل عمران الآية (140).

3- سورة الأحزاب الآية (10-11).                            4- سورة الشرح الآية (5-6).

5- رواه الإمام أحمد.                                              6- سورة طه الآية (123 )