الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين .
إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من أجل هدف سام هو عبادته سبحانه وتعالى، وطاعته، والسير على طريق الحق والخير "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" إذاً فالواجب علينا أن نغتنم كل لحظة ودقيقة في كسب رضوان الله قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال .
إن التاريخ لم يعرف أمة قدس دستورها الزمن، كأمتنا الإسلامية، التي حدثها الله سبحانه وتعالى دائماً عن نفسه، وعن خلقة بكل دقة .
* لقد حدث الله عن خلق السموات والأرض فقال: "هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام" .
* وحدث عن أمره وإرادته فذكر أن ذلك يتم في غير زمان"إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" .
* وحدث عن علمه بالخلق وأحوالهم فبين أن ذلك يتناول أدق الأمور "الله يعلم ماتحمل كل أنثى، وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار" .
* وحدث عن تسجيل أعمال الخلائق فبين أن ذلك يشمل القليل والكثير "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" .
* وحدث سبحانه عن حسابه للخلق فذكر أن ذلك يتم بميزان دقيق "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" .
وان الرسول عليه السلام اغتنم كل لحظة من حياته، وعلم أصحابه ذلك، فما مضى قرن من الزمان حتى رأينا الرايات الإسلامية ترفرف فوق مساحات شاسعة من قارات العالم بفضل الله أولاً، ثم بجهدهم وعملهم وإخلاصهم.
إن الأمم تستغل وقتها أحسن الاستغلال في الخير وفي المخترعات العلمية التي تعود بالخير على أبناء البشرية، وفي سبيل النهوض بحياة الأمم والشعوب.
إن أجدادنا استغلوا أعمارهم في الخير، فكانوا العلماء النابغين الأفذاذ الذين طأطأ لهم الشرق والغرب إجلالاً واحتراماً في شتى المجالات، بينما نرى الأمة العربية والإسلامية في ذيل البشرية في العالم الثالث.
في أثناء قراءتنا وتدبرنا لآيات القرآن الكريم نجد حديثاً قرآنياً عن آلاء الله المبذولة لسكان الأرض كلهم ، وعند تأملنا في هذه الخيرات المشاعة نجد أن التأخر العلمي والمادي قد قلل حظوظ المسلمين منها وكأنما خلق الله الأرض لغيرهم!!
نقرأ قول الله تعالى : "والله جعل لكم من بيوتكم سكناً، وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين، والله جعل لكم مما خلق ظلالا، وجعل لكم من الجبال أكنانا، وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون" .
هذا مَنٌ على البشرية جمعاء بما أكرمهم الله به، وعند التأمل تجد أن نصيب المسلمين قليل من هذه النعم.
من الذي ينسج السرابيل التي تقي الحر والسرابيل التي تقي البأس.
من الذي حول جلود الأنعام إلى حقائب؟
من الذي شاد المصانع الكبيرة لنسج الأصواف والأوبار والأشعار، ونقلها بالبواخر الضخمة إلى شتى الأقطار؟
إن الدول العربية والإسلامية زاخرة بنعم الله، من البترول والمال، والأيدي العاملة...الخ.
ولو أن الأمة استغلت طاقاتها في الخير لاستفادت وأفادت الآخرين، وشجعت العلماء والمخترعين، وحلت مشاكل البطالة، وعاش الناس في رغد .
والفرد كذلك مطالب باستغلال الوقت في طاعة الله، فالصلوات موزعة على خمسة أوقات ، والصوم ،والحج، والزكاة، مقسمة على أشهر السنة، ونحن مسؤولون عن أعمارنا فلماذا نضيعها سدى هكذا !!
كم من إخواننا وأحبائنا يقضون أوقاتهم في اللهو، والمقاهي، ولعبة النرد، والغيبة، والنميمة، ومشاهدة الأفلام الهابطة والمسلسلات الهدامة، أما آن لهم أن يتوبوا إلى رشدهم وأن يعودوا إلى طريق الصواب.
إنك إن طالبت أحدهم بالصلاة، قال: غداً أبلغ من الكبر عتيا، وأتوب وأصلي، ونسي قوله تعالى : "وما تدري نفس ماذا تكسب غداً" فأعمار أمتي بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز .
وقديماً قال الشاعر :
إذا عاش الفتـــــى ستـــــين عامـــــــاً فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف يذهب ليس يــــــدري لغفلته يمينــــــــــــاً مع شمال
وباقي العمـــــر آمــــــــال وحــــــــرص وشغل بالمكاسب والعيــــال
إننا مسؤولون عن أعمارنا "وعن عمره فيما أفناه" .
إننا مطالبون أفراداً وجماعات، ومؤسسات، ودولاً أن نتقي الله في أعمارنا، وأن نعلن الصلح مع الله، وأن نكثر من أفعال الخير، وننأى بأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا عن طريق الشر، عسى أن تدركنا رحمة الله .
وما دمنا لا ندري متى سنموت فيجب علينا طاعة الله وتنفيذ أوامره ورد الحقوق لأصحابها من قبل أن يأتي يوم لابيع فيه ولا خلال .