2023-09-22

ذكرى الهجرة النبوية الشريفة ... ومعاناة الفلسطينيين في العراق
2007-01-19

 

                                                                                

                يجيء هلال المحرم من كل عام، ومع شعاعه الفضي يتذكر المسلمون ساعة الشدة والعسر، ساعة النضال والنصر، والإفلات من الأسر، تلك الساعة التي بلغ فيها الشرك غايته في إيذاء المسلمين، وإيذاء الرسول الأمين، الذي خرج بأمر ربه فراراً إلى الله بدينه وكتابه ، ولحاقاً بالمهاجرين قبله من أصحابه، إنها لحظات حاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية ، وفي عمر الإنسانية، حددت المسار ، وأقالت العثار، ومضت بالدعوة إلى الغاية المرجوة، وإن ملامح النصر فيها كانت شعاعاً كشعاع هلال المحرم يضيء الطريق أمام المسلمين .

إن ساعات الشدة هي محك الرجال ، ولقد كانت الهجرة شدة ظهرت فيها رجولة محمد عليه السلام، وتجلت أصالته ، فما ضعف وما استكان وما لان، ومضى ينفذ أمر ربه تحفه الملائكة، وترعاه عناية الله .

درس التفاؤل والأمل

                إن الإسلام حرم اليأس وأوجد الأمل، وحرم التشاؤم وأوجد البديل وهو التفاؤل ،  وهذا درس الأمل والتفاؤل نتعلمه من ذكرى  الهجرة.

فهذا سراقة بن مالك يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم- ليظفر بجائزة قريش مائة من الإبل،  لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم-حياً أو ميتاً ، وعندما لحق سراقة بالنبي عليه السلام ، دعا عليه رسول الله  صلى الله عليه وسلم-فساخت أقدام فرسه في رمال الصحراء ، ثم قال له الرسول-عليه الصلاة و السلام- : "يا سراقة عد وإنني أعدك بسواري كسرى" وفعلاً عاد سراقة .

ما الذي دفع الرسول عليه السلام إلى هذا القول ؟ ! ، وفارس والروم كانتا مثل أمريكا وروسيا اليوم ،  الذي دفعه إلى ذلك هو إيمانه بربه، وثقته بنصره، وأمله في نصر الله للمؤمنين ، وفعلاً تحقق ذلك، ونفذ عمر بن الخطاب    رضي الله عنه- عهد الرسول عليه الصلاةو السلام وأعطى سراقة سواري كسرى عندما فتح المسلمون بلاد فارس .

فعلينا أن نكون دائماً متفائلين مهما اشتدت الخطوب واحلولكت الظلمات، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آت بإذن الله ،  وسينتهي الاحتلال، وسيندحر هذا الظلام، وستشرق شمس الحرية والاستقلال ، وستقام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إن شاء الله .

الثقة بالله والأخذ بالأسباب

                الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه الصديق – رضي الله عنه - أخذا بكل الأسباب، وتوكلا على الله وسارا في طريقهما إلى المدينة، فلما دخلا الغار، رأى أبو بكر- رضي الله عنه - أقدام المشركين فاكتأب وحزن فقال يارسول الله: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام  مطمئناً : مابالك باثنين الله ثالثهما، لاتحزن إن الله معنا.

                هنا نفدت الأسباب فلا حول لهما ولا قوة فقد صدقا في التوكل على الله، عندئذ تدخلت العناية الالهية ، فأمر الله الحمامتين أن تبيضا على باب الغار، وأمر العنكبوت أن ينسج خيوطه "وما يعلم جنود ربك إلا هو" فالله كان قادراً على حمل رسوله من مكة إلى يثرب كما فعل ليلة الإسراء والمعراج، ولكنه الأخذ بالأسباب والثقة بالله وصدق التوكل عليه .

هجر المعصية للطاعة

                وهذا درس نتعلمه من ذكرى الهجرة المباركة وهو هجر المعاصي، ومحاربة النفس والشيطان، فهذه الهجرة دائمة في مختلف الأزمنة والأمكنة ، فقد جاء في الحديث "والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" .

                فعلى المسلم أن يهجر المعاصي بجميع أشكالها من ربا،وغيبة، ونميمة، وأكل لأموال الناس بالباطل، وأن يفتح صفحة جديدة مع ربه، وكل ما أصاب المسلمين من ذل وضعف ليس تخلياً من الله عنهم، بل نتيجة حتمية لارتكاب المعاصي "من عرفني وعصاني سلطت عليه من لا يعرفني" .

المؤاخاة في المدينة

                عندما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة كان هناك عداء تقليدي مستحكم بين عرب المدينة دفعهم إلى حروب طاحنة، أفنت كثيراً من رجالاتهم ،  فجمعهم الرسول على الحق، وأصلح ما بين القبيلتين "الأوس والخزرج" وأصبحا أخوة بعد عداء طويل، ثم آخى بين الأنصار-وهم أهل المدينة-وبين المهاجرين -أهل مكة- فأصبحوا اخواناً متحابين كالجسد الواحد، وبعدئذ فتحوا البلاد وأصبحوا قادة للأمم ومضرباً للمثل في جميع مجالات الحياة .

المهاجرون الفلسطينيون في العراق

الفلسطينيون يسكنون العراق منذ ما يقرب من ستين عاماً ، منذ النكبة عام 1948م ، حيث أخرج الفلسطينيون من أرض الآباء والأجداد ، وانتشروا في بقاع المعمورة ، ويعيش في العراق اليوم ما يقرب من ثلاثين ألف فلسطيني يتعرضون للتنكيل والتعذيب منذ سقوط العراق في أيدي المحتلين وأعوانهم ، فمنذ أربع سنوات والفلسطينيون يتعرضون للقتل والتشريد والاعتقال ، والترويع والإذلال ، والاغتصاب ، والسلب والنهب ، وكل ألوان التعذيب ، حتى بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين على أرض العراق أكثر من خمسمائة  شهيد ،  ونحن في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة نتسائل : ما الذنب الذي اقترفه هؤلاء ؟!!

ذنب هؤلاء أنهم فلسطينيون ، عرب ، يحبون دينهم ، وعروبتهم ، ووطنهم .

ومن هنا فإننا نتوجه من أرض الإسراء والمعراج بنداء عاجل إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية ، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، والأمين العام للأمم المتحدة ، وكل الأحرار في العالم أن يثيروا هذه القضية الخطيرة ، وهذا الاستئصال لأبناء شعبنا الفلسطيني ،  وأن يعملوا جاهدين على توفير الحماية لهم .

أليسوا عرباً يا جامعة الدول العربية ؟!!

أليسوا مسلمين يا منظمة المؤتمر الإسلامي ؟!!

أليسوا آدميين يا هيئة الأمم ؟!!

أليسوا بشراً يا أحرار العالم ؟!!

لماذا هذا السكوت على الجرائم التي تقترف ضد الفلسطينيين ؟!!

إن الواجب على الأمة العربية أن تستوعب هذه الأسر الفلسطينية لتحيا حياة كريمة ، ولنصون الدم الفلسطيني، والعرض الفلسطيني ، فالمسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم .

هؤلاء هم المهاجرون الفلسطينيون ، فأين الأنصار من أمة العروبة والإسلام ؟!!

أملنا أن نسمع ونرى حلاً قريباً لمشكلة ومعاناة هذه الأسر الفلسطينية المهجرة ، إلى حين عودتهم إن شاء الله إلى وطنهم ، إلى أرض الآباء والأجداد ، ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً .

حنين الرسول إلى مكة

                هاجر الرسول الكريم من مكة المكرمة إلى يثرب، وعلم الدنيا حب الأوطان، والأماكن المباركة والوفاء لمسقط الرأس عندما ألقى نظرة الوداع على مكة المكرمة وهو مهاجر منها وقال كلمته الخالدة :

"والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إليّ ،  ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت ".

                وعندما يذكر بلال مؤذن الرسول ذكريات مكة وأماكنها ، ويحن إليها ويتغنى بها ،  يقول له الرسول عليه الصلاة والسلام  : "يابلال دع النفوس تقر" .

                أجل فما من الوطن بد، وما للإنسان عنه من منصرف أو غنى، في ظله يأتلف الناس، وعلى أرضه يعيش الفكر، وفي حماه تتجمع أسباب الحياة، وما من ريب أن ائتلاف الناس هو الأصل،  وسيادة العقل فيهم هي الغاية، ووفرة أسباب العيش هو القصد مما يسعون ويكدحون، ولكن الوطن هو المهد الذي يترعرع فيه ذلك كله، كالأرض هي المنبت الذي لا بد منه للقوت والزرع والثمار  .

بين الأمس واليوم

فما أحرى شباب الأمة، ورجالها، ونساءها أن يتأسوا بالهجرة ، ودور أبي بكر في وفائه، وعليّ في شجاعته وبلائه، وبعبد الله بن أبي بكر في دهائه، وعامر بن فهيرة في كتمانه، وعائشة وأسماء في ثباتهما .

وما أشبه الليلة بالبارحة فذكرى الهجرة تطالعنا اليوم ونحن نواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي ، وهي أشد ضراوة تريد أن تقضي من جديد على الشعب الفلسطيني المرابط فوق أرض فلسطين الطاهرة ، حيث يتعرض هذا الشعب الصامد للقتل والتشريد، وهدم البيوت، وتدمير المصانع والمؤسسات والآبار ، واقتلاع للبيارات والأشجار، وقصف وقتل واغتيال وتدمير وما صاحبه من تيتيم للأطفال، وترميل للنساء، وتشريد لمئات الأسر التي هدمت بيوتها، ومئات الآلاف من العمال الذين يحال بينهم وبين لقمة العيش الشريفة .

والعبرة الواضحة من الهجرة أن الإيمان بالله، والثبات على الحق، والصبر على المكاره،  كل ذلك يستلزم النصر بإذن الله .

فليكن لنا في رحاب الذكرى مدد يوثق صلتنا بالله، ويربط على قلوبنا في معركة المصير ، حتى نصون الحق ،  ونسترد الأرض ،  ونطهر القدس والأقصى ،  وترفرف أعلامنا خفاقة فوق ثرى فلسطين الغالية  إن شاء الله .