يعود أبناؤنا وفلذات أكبادنا من الطلاب والطالبات إلى مقاعد الدراسة في هذه الأيام، بعد إنتهاء الإجازة الصيفية ، ونحن نبارك لأبنائنا عودتهم ، ونتوجه إلى الله بالدعاء أن يوفقهم لما فيه الخير ، وأن يأخذ بأيديهم لما يحبه ويرضاه ، فكما قال الشاعر :
أولادنـــــــــا أكبــــــــــادنــــــا تمشــــــــي علـــــــــى الأرض
لو هبت الريح على أحدهم لامتنعت عيناي عن الغمض
وديننا الإسلامي الحنيف الذي أكرم الله البشرية به ، دين يدعو إلى العلم فأول خمس آيات نزلت من كتاب رب العالمين في بدء الوحي على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – لتؤكد على أهمية العلم وفضله ووجوب تحصيله وطلبه.
قال تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(1) .
يقول الإمام ابن كثير : ( فأول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات ، وهن أول رحمة رحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم ، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقه ، وأن من كرمه تعالى أنه علم الإنسان ما لم يعلم فشرفه وكرمه بالعلم وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة ( 2).
وعند دراستنا للقرآن الكريم فإننا نجد أنه قد رفع من شأن العلم والعلماء في عشرات الآيات قال تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } (3) ، وقال تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } (4) ، وقال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (5) .
أما الأحاديث التي تتحدث عن فضل العلم والعلماء فكثيرة منها قوله صلى الله عليه
وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) ( 6) ، وقال أيضاً : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ، ويعلمها ) ( 7).
كما وورد عنه –صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( إن العلماء ورثة الأنبياء - أي : في تبليغ شريعة الله للناس – وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ) ( 8 ) .
ولقد بين الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين – منزلة العلم والعلماء في كثير من أقوالهم ووصاياهم فمن ذلك ما أثر عن الإمام علي – رضي الله عنه وكرم الله وجهه – قوله : ( العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزيد بالإنفاق ).
كما و حث الإسلام أبناءه على الاجتهاد في تحصيل العلم فقال – عليه الصلاة والسلام - : ( من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ) (9) ، وقال أيضاَ : ( من خرج في طلب العلم ، فهو في سبيل الله حتى يرجع ) (10).
وعلى المسلمين اليوم المسارعة في تحصيل العلم والمعارف ،حتى يخرجوا من حالة الضعف التي نخرت عظامهم ، والوهن الذي أضاع مجدهم ، كما قال الشاعر :
لقد كنا وكان الناس في الزمن الخوالـــــــي
طلاب علم عندنا إن في الجنوب أو الشمال
يتتلمذون على حضارتنا كتلمذة العيــــــــال
علينا نحن المسلمين الأخذ بزمام العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، والبحث عنه جهاد حتى نستعيد مجد أسلافنا الأوائل .
وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – طلب هذا العلم النافع فريضة على كل مسلم ، ذكراً كان أم أنثى ، حيث يقول عليه الصلاة والسلام : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) ، ولو أن منه ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية .
وانظر إلى قوله – صلوات الله وسلامه عليه – "طلب العلم " لتعرف لماذا أجهد المسلمون أنفسهم في طلبه ، ولماذا بحثوا عنه في كل مكان ولم يجدوا حرجاً في أخذه من أي وعاء خرج ، ولماذا اتجهت أمة الإسلام بعد عصر الراشدين ، الذي فتح على الإسلام قلوب الناس ، تنفتح على العالم من حولها تتلمس كل علم ينفع الناس حتى رأينا العلماء المسلمين في شتى المجالات كالفارابي ، والكندي ، وابن الهيثم ، وابن سينا ، وابن النفيس ، وابن خلدون وغيرهم ممن ملأوا طباق الأرض علماً .
ونحن إذ نحيي طلبتنا ونشد على أيديهم ، وندعو الله لهم بالتوفيق والسداد ، ونتمنى أن يحققوا ما يصبون إليه من تقدم ونجاح وتفوق ، فهم أملنا الكبير ، وعليهم يعتمد مستقبل هذا البلد ، ومن خلالهم ينطلق البناء الصحيح للمجتمع ، فبالعلم ترتقي الأمم ، وبالعلم يحيا الإنسان ، وبالعلم تتطور الشعوب ، وبالعلم ينتصر الحق على الباطل ، وبالعلم ينتصر المظلوم على الظالم ، لأن العلم نور ، والله نور السموات والأرض .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الهوامش :
1- سورة العلق الآيات 1-5
2- مختصر تفسير ابن كثير 3/656
3- سورة الزمر الآية 9
4- سورة المجادلة الآية 11
5- سورة فاطر الآية 28
6- أخرجه الشيخان
7- أخرجه الشيخان
8- أخرجه أبو داود والترمذي
9- أخرجه أبو داود والترمذي
10- أخرجه الترمذي