2023-06-10

تكريم سلمان رشدي إساءة للإسلام والمسلمين والثقة بنصر الله
2007-06-29

الخطبة الأولى :

أيها المسلمون : 

 

 

 

 

                يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}  ( سورة الأحزاب الآية 21 )   .

تناقلت وسائل الإعلام قبل أيام خبراً يبين أن ملكة بريطانيا " اليزابيث الثانية " قررت منح لقب "الفارس " إلى صاحب رواية " آيات شيطانية " سلمان رشدي البريطاني الجنسية الهولندي الأصل ، والذي تضمنت روايته افتراءات وأكاذيب حول الإسلام ورسوله الكريم- صلى الله عليه وسلم - .

لكننا نتساءل ، ماذا قدم هذا المرتد لبريطانيا أو للإنسانية حتى يتم تكريمه بلقب الفارس؟!

 هل تم تكريمه لأنه وضع تفاهات تدل على شخصية مريضة حقودة هاجم فيها الإسلام ونبيه عليه أفضل الصلاة والسلام..أسماها زوراً رواية؟!

وهل هذه هي نظرة الأوروبيين إلى الإسلام والمسلمين ؟!

أنسينا ما حدث في الدنمارك من إساءات للرسول عليه الصلاة والسلام من خلال الرسوم وغيرها؟!

أنسينا ما تلفظ به باب الفاتيكان ضد الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ؟!

لقد أدان المسلمون قرار  بريطانيا بمنح سلمان رشدي لقب (الفارس ) ووصفوا هذا القرار بأنه غير مسؤول وأنه يجرح مشاعر المسلمين في العالم ، ويسيء إلى عقيدة مليار ونصف المليار مسلم  .

 إن التعاطف الواسع والحب الكبير للرسول  –صلى الله عليه وسلم  -  بعد انتشار الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام  ، وبعد هذا التكريم القبيح للمرتد سلمان رشدي من ملكة بريطانيا حيث ظهرت مكانة النبي عليه الصلاة والسلام عند الأمة ، فرأينا الشجب والاستنكار لذلك ، كما و رأينا المؤتمرات تعقد لنصرته عليه الصلاة والسلام ، وكما قال الشاعر :

يا سيدي يا رسول الله آلمنا                أن قام غُرٌ بدارِ الكفرِ عاداك

وغيرهُ قام في حقدٍ وفي صَلَفٍ                        بالزور والظلم والعدوان آذاك

هذا وذاك يريدان الدمارَ لنا                لا تُبقي يا ربِّ لا هذا ولا ذاك 

 

 

أيها المسلمون : 

 لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على البشرية جمعاء برسالة سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- هذه الرسالة التي ختم الله بها الرسالات، وجاءت كاملة شاملة " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ( سورة المائدة  الآية  3) .

كما أن الدين الإسلامي يحترم جميع الأنبياء ،ويعرف فضلهم ، ويدعو المسلمين للإيمان بهم جمعياً  " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " (  سورة البقرة الآية 285)

وعندما نتصفح كتب التاريخ فإننا نجد صفحات مشرقة عن التسامح الإسلامي ، مع أهل الديانات الأخرى ، وعن الأسلوب الطيب في احترام الآخرين 0

إننا نجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- قد رفض الصلاة في الكنيسة التي عرض عليه بطريرك بيت المقدس أن يصلي فيها لماذا؟ حرصاً من عمر على بقاء الكنيسة لأصحابها ، فقد قال للبطريرك : لو صليت هنا لوثب المسلمون على المكان وقالوا : هنا صلى عمر وجعلوه مسجداً !!

كما نلاحظ المعاملة الطيبة من المسلمين تجاه أهل الكتاب وهذا ما دفع الكثير من أهل الكتاب للدخول في هذا الدين الجديد لأنهم وجدوا فيه ضالتهم من السماحة واليسر والمحبة والأخوة .

فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وقد مرت عليه جنازة يهودي فقام النبي – صلى الله عليه وسلم-لها ، فقيل له : إنها جنازة يهودي فقال : "أليست نفساً"  .

وهذا أمير المؤمنين – عمر بن الخطاب – رضي الله عنه، يرى شيخاً متوكئاً على عصاه وهو يسأل الناس، فسأل عنه فقيل إنه كتابي، وفي رواية- نصراني-فقال : " خذوا هذا وضرباءه إلى بيت المال فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته وتركناه عند شيبه".

وروي أن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما- ذبحت في بيته شاه فقال: أهديتم لجارنا اليهودي منها ، قالوا : لا ، قال أهدوا إليه، فاني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).

إن صيحة "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ( سورة الكهف الآية 29 ) 00 تظهر عظمة هذا الدين، تظهر مدى مخاطبته للعقول لتختار بين طريق الإيمان وطريق الكفر، طريق الخير وطريق الشر، طريق الحق وطريق الباطل .

أيها المسلمون : 

إن التسامح الذي عامل به الإسلام غيره، لم يعرف له نظير في القارات الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء والازدهار مثل ما صنع الإسلام، كما أن  تعاليم الإسلام جاءت  صريحة في التزام الأدب والهدوء عند حوار الآخرين " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن000" (سورة العنكبوت الآية 46).

فالأخوة الإنسانية هي الأساس الذي تقوم عليه علاقات الناس حيث إن القرآن الكريم وضع دستوراً للعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين أياً كانت ديانتهم كما في قوله تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون" ( سورة الممتحنة الآيات   8-9 ) .

 

أيها المسلمون : 

وبالإضافة إلى ذلك أقول إنه في أول عهد الإسلام قبل الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة جرت معركة طاحنة بين الروم المسيحيين والفرس المجوس، كان النصر فيها للمجوس المشركين .

            وفرح المشركون في مكة بذلك النصر ، فيما ابتأس المسلمون بسبب هزيمة المسيحيين من أهل الكتاب.

ولما نزلت الآيات الكريمة التي تقول : " ألم، غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين  لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(  سورة الروم الآيات 1-6 )، فقد ابتهج المسلمون بهذا النصر .

كما أن العهدة العمرية التي أرسى قواعدها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- مع بطريرك الروم صفرونيوس في السنة الخامسة عشر للهجرة تمثل لوحة فنية في التسامح الإسلامي الذي لا نظير له في التاريخ  ، التسامح بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين الحبيبة ، هذه العلاقة الطيبة التي ما زالت وستبقى إن شاء الله ونلاحظها أيضاً في بلاد عديدة كأرض الكنانة وغيرها .

لذلك فنحن نقول للآخرين : هذا هو ديننا ، وهذه نظرة الإسلام إلى الآخرين ، وهذه هي معاملة المسلمين لغيرهم .

فلماذا توجه الإساءات للإسلام ولصاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام ؟!!

لقد صدق الشاعر :

                        ملكنا فكان العفو منا سجية                   فلما ملكتم سال بالدم أبطح

                        فحسبكم هذا التفرق بيننا                    وكل إناء بالذي فيه ينضــــح

جاء في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وُضِعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين ؟ )

وعنه أنه قال : ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )

 

الخطبة الثانية :

أيها المسلمون : 

تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بهجمة شرسة على شعبنا الفلسطيني من جنين إلى رفح ، حيث قامت أول أمس الأربعاء بهجمة شرسة على  منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة ، وعلى منطقة خزاعة بمحافظة خانيونس ، حيث سقط أكثر من خمسة عشر شهيداً من الرجال ، والأطفال ، وعشرات الجرحى ، بالإضافة إلى هدم وتدمير عدد من البيوت ، كما قامت سلطات الاحتلال بمداهمة محافظة جنين ، ومحافظة نابلس ، حيث سقط عدد من الشهداء والجرحى ، كما تتعرض باقي  المحافظات الفلسطينية لهجمة شرسة من قوات الاحتلال ، ناهيك عما تتعرض له مدينة القدس من هجمة استيطانية لتهويدها ، وطرد أهلها ، وفرض السيطرة الإسرائيلية عليها ، ومحاولة بناء ما يسمى بهيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك لا سمح الله .      

     إن هذه الهجمات الاحتلالية تدل على مدى الهمجية التي تقوم بها سلطات الاحتلال ضد شعبنا ، وبالتالي فهي سبب مباشر يدعونا إلى الوحدة والتلاحم، كما قال الشاعر : إن المصائب يجمعن المصابينا ، فرصاص المحتل لا يفرق بين رجل وامرأة ، وشيخ وطفل.

         فعلينا أن نصبر، وأن نتدبر قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل "أي الناس أشد بلاء؟ قال : الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، وان الرجل ليبتلى على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة" .

أيها المسلمون : 

        إنها هموم كبيرة، يقاسي منها المواطن الفلسطيني صباح ومساء، لكن علينا أن نعلم بأن الشدة سيكون بعدها الرخاء، وإن هذا الضيق سيكون بعده الفرج إن شاء الله .

         فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال : "شكونا إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" .

         فالمؤمن يكون دائماً عظيم الثقة بنصر الله.

         فهذا حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حوصر في شعب أبي طالب مع أصحابه ثلاث سنوات وكانت قد فرضت عليهم المقاطعة والحصار الشديد حتى أكلوا ورق الشجر ومع ذلك كان متفائلاً بنصر الله، كما وورد في كتب السيرة  أنه-صلى الله عليه وسلم-كان متوجهاً من مكة  المكرمة إلى المدينة المنورة وإذ به يعطي وعداً إلى سراقة بن مالك بسواري كسرى ، ولعل سائلاً يسأل : كيف يعطي هذا الوعد لشخص كاد أن يصل إليه ويمسك به، لولا الأمل والتفاؤل بأن الله ناصر عباده المؤمنين، وأنه لن يخذل المتقين المخلصين، وأن عرش كسرى سيسقط على يد المسلمين .

         والله عز وجل قال للمؤمنين { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (سورة البقرة الآية 155-157) .

أيها المسلمون : 

            لتكن ثقتنا بالله عظيمة، وأملنا قوي في غد مشرق عزيز بفضل الله، فما زالت الآيات القرآنية تتردد على مسامعي {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*  إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (سورة الشرح الآية 5-6) ، لتقول لنا جميعاً : سيأتي الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر، فلا نحزن، ولا نضجر فلن يغلب عسر يسرين .

        فلا بد أن نعود  إلى الأصل إلى كتاب الله وسنة رسوله، الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به هدى إلى صراط مستقيم، لأن العودة إلى الله هي النافذة للفرج القريب إن شاء الله في ساعات الشدة .

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين