الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد
تناقلت وسائل الإعلام المختلفة خبر نشر كتاب ( الحب والجنس في حياة النبي ) والذي تم طرحه مؤخراً ، وهذا الكتاب يعتبر إساءة جديدة للرسول – عليه الصلاة والسلام - تضاف إلى ما قامت به سبع عشرة صحيفة دنماركية قبل أسبوعين من إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول – صلى الله عليه وسلم – والتي سبق أن نشرتها إحدى الصحف في الدنمارك قبل سنتين تقريباً .
إن هذا الكتاب مليء بالتجاوزات والافتراءات على النبي – صلى الله عليه وسلم - ومن هذه الافتراءات والتجاوزات أن الكتاب يسيء للرسول – صلى الله عليه وسلم - ،كما أنه يُكفر الإمام البخاري ، ويصفه بأنه كاره للإسلام والرسول والعرب ، ويتهمه بالإساءة إلى الرسول – عليه الصلاة والسلام- حيث يزعم أن صحيح الإمام البخاري يشتمل على عشرات الأحاديث المكذوبة ، كما و يدعى خوف النبي – صلى الله عليه وسلم – من خديجة ، حيث إنه لم يتزوج عليها بسبب خشيته من حرمانه من مالها ، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان محباً للجنس والنساء فقد تزوج باثنتين وخمسين امرأة بعد وفاة خديجة .
ورأيت من واجبي كطالب علم أن أذود عن عرض نبينا ورسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – حيث يتطاول عليه الأقزام بين الفينة والأخرى ، وأن أرد على الأكاذيب والإفتراءات الواردة في هذا الكتاب ، وهذا جهد المقل ، فالله سبحانه وتعالى قد تكفل بالانتقام ممن يسيئون إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} ( 1 ) ، كما وورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( إن الله – عز وجل- قال : من عادى لي ولياً ، فقد آذنته بالحرب ) ( 2 ) فكيف بمن عادى الأنبياء ؟؟ وكما قال الشاعر :
يا ناطح الجبل العالي ليثلمه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
إن هذه الإساءات بحق الرسول – صلى الله عليه وسلم - ليست جديدة ، فقد قالوا عنه سابقاً بأنه مجنون ، وساحر ، وكذاب ، كما في قوله تعالى : {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (3 ) ، مع أنهم وصفوه قبل الرسالة بأنه الصادق الأمين ، كما وطعنوا في شرف أعز الناس لديه في زوجه عائشة – رضي الله عنها- حيث جاءت براءتها من فوق سبع سماوات{إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (4) ، ومنهم من طعن في الصدقات ، وفي توزيع الغنائم ، كما قال قتادة : ومنهم من يطعن عليك في الصدقات، كما ورد في قوله تعالى : {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (5)
وتوالت محاولات المجرمين عبر التاريخ للنيل من الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولكن أنى لهم ذلك ، فكما قال الشاعر :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وسأقوم بالرد على أشهر المحاور التي تضمنها الكتاب وهي : -
* تضمن الكتاب على إساءات كثيرة للرسول – صلى الله عليه وسلم - :-
لقد توعد الله سبحانه وتعالى أولئك المجرمين المستهزئين بالله ورسوله بأشد العذاب، كما في قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } (6 ).
لقد نزلت هذه الآيات في رجل من المنافقين استهزأ بالله وبكتابه وبرسوله فقال : ( ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء ) (7).
لقد استحق هذا المنافق وأمثاله هذا الجزاء ، فلم يقبل الله عذره ، فليس كل عذر يقبل ، وليست كل جريمة تغتفر ، وهل هناك جريمة أعظم من الاستهزاء بالله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – أيتها الكاتبة المجرمة ؟!!
* كما تضمن الكتاب إساءات بالغة للإمام البخاري ، حيث يصفه بأنه كاره للإسلام والرسول والعرب ، ويتهمه بالإساءة إلى الرسول – عليه الصلاة والسلام- كما يزعم أن صحيح الإمام البخاري يشتمل على عشرات الأحاديث المكذوبة :-
الإمام الجليل والمحدث العظيم محمد بن اسماعيل البخاري أمير أهل الحديث وصاحب أصح كتاب بعدكتاب الله تعالى ، هو ذلك العالم المحدّث العظيم الذي ملأ طباق الأرض علماً ، وقد قيل فيه :
المسلمون بخير ما بقيت لهم وليس بعدك خير حين تفتقد
وقد اتفقت الأمة على أن كتابه أشهر كتب الحديث النبوي كافة بل وأصحها ، حيث بذل فيه جهدا ً كبيراً ، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عاماً ، وقد ابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي ، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه ، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى ، وتعهده بالمراجعة والتنقيح ، ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن ، وفيه يقول الشاعر :
تشاجر قوم في البخاري ومسلــــــم لدى فقالــــــوا أي ذيــــــن تقـــــدم
فقلت : لقد فاق البخاري صحــــــة كمــــا فاق في حسن الصناعة مسلم
يقول الإمام البخاري عن صحيحه : أخرجت هذا الكتاب من زهاء ستمائة ألف حديث ، وماوضعت في كتابي الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين ، وما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب ، فهل هذا الإمام يبغض الرسول – عليه الصلاة والسلام – أيتها الكاتبة المجرمة ؟!!
* كما تضمن الكتاب أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد تزوج باثنتين وخمسين امرأة ولكنه لم يتزوج على خديجة – رضي الله عنها- لأنه خاف أن تحرمه خديجة من مالها .
هذا الكلام كذب وافتراء ، فالرسول- صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بهذا العدد ، لأن جميع من عقد عليهن – صلى الله عليه وسلم – ثلاث عشرة امرأة ، و اللواتي تزوجهن ودخل بهن إحدى عشرة امرأة ، وقد مات منهن في حياته اثنتان وهما : خديجة ، وزينت بنت خزيمة ، والتسع الباقيات بقين بعد وفاته، ومات– صلى الله عليه وسلم – عن تسع، وعشن بعده ، كما قال الشاعر:
توفي رسول الله عن تسع نسوة إليهن تُعزي المكرمـاتُ وتُنْسَبُ
فعائشــــــةٌ ميمـــــونةٌ وصفيـــــةٌ وحفصـةٌ تتلوهـنّ هندٌ وزينبٌ
جويـــريةٌ مع رَمْلــــةٌ ثم سـودةٌ ثـلاثٌ وسـتٌ ذكـرهن المهذبٌ
لقد تزوج الرسول – صلى الله عليه وسلم – خديجة وعمره خمس وعشرون سنة وكان عمرها وقتئذ أربعين سنة، وقد تزوجت بزوجين قبله ، فهل هذا يدل على أن الرسول -عليه الصلاة والسلام -كان شهوانياً !! ، كما أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكراً إلا عائشة ، وأن باقي نسائه كن ثيبات وأرامل ، تزوجهن إكراماً لهن ، وإكراماً لأهلهن ، ولحكم عديدة ذكرها العلماء وهي الحكم التعليمية ، والتشريعية ، والاجتماعية ، والسياسية.
أما زعم صاحبة الكتاب بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم – كان طامعا في مال خديجة ، أو أنه لم يتزوج عليها خوفاً من أن تحرمة من مالها فهذا افتراء واضح ،فقد نسيت هذه الكاتبة المجرمة أن جبريل عليه السلام قد عرض على النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل جبال أحد وتهامة ذهبا فلم يرضَ – عليه الصلاة والسلام -، كما عرض عليه الكفار ذلك عندما ساوموه : إن كنت تريد مالاً أعطيناك ، وإن كنت تريد نساء زوجناك ، وإن كنت تريد مُلكاً ملكناك .
وفي الختام أتساءل: ما موقف المليار ونصف المليار مسلم من الإساءات المتكررة بحق رسولنا – عليه الصلاة والسلام - ؟!، وما موقف الأمة لو أن هذه الإساءات كانت بحق رئيس أو ملك أو أمير ؟! ، لرأينا سحب السفراء، وقطع العلاقات !! ، فيا أمة الإسلام هل هناك أغلى من الحبيب – صلى الله عليه وسلم - ؟! ، فعلينا أن نبرهن على حبنا ونصرتنا للرسول – صلى الله عليه وسلم – وأن نردد دائماً : اللهم أحينا على سنته ، وأمتنا على ملته، واحشرنا في زمرته ، واسقنا يا رب من حوضه الشريف شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً ... آمين ..يارب العالمين .
وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
الهوامش :
1- سورة الأحزاب الآية (57)
2- أخرجه البخاري
3- سورة الأنعام الآية(33-34)
4- سورة النــور الآية (11)
5- سورة التوبة الآية (58 )
6- سورة التوبة الآية (65-66)
7- مختصر تفسير ابن كثير جـ2 ص152