الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وأصحابه أجمعين ،،
تتعرض بلادنا فلسطين في هذه الأيام لهجمة شرسة من جنين إلى رفح، وما المجزرة التي حدثت قبل أيام في قطاع غزة عامة ، وفي شمال غزة خاصة عنا ببعيد ، حيث استشهد أكثر من مائة وعشرين شهيداً من الأطفال ، والنساء، و الرجال ،بالإضافة إلى مئات الجرحى ، وكذلك القصف الإجرامي لمناطق متعددة من القطاع لم تسلم منه بيوت الله ، حيث دمرت الطائرات الإسرائيلية مسجد بدر بمحافظة رفح ، وكذلك هدم العديد من البيوت ، وتجريف الأراضي الزراعية ، وتدمير البنية التحتية ، بالإضافة إلى عدد آخر من الشهداء في المحافظات الشمالية ، فالشعب الفلسطيني يتعرض يومياً للاعتداءات في جميع المحافظات الفلسطينية ، ناهيك عما تتعرض له مدينة القدس من هجمة استيطانية لتهويدها ، وطرد أهلها، وفرض السيطرة الإسرائيلية عليها ، ومحاولة بناء ما يسمى بهيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك لا سمح الله .
لقد أخبرنا القرآن الكريم أن هذه الحياة عرضة للآلام والمتاعب، وأن الناس فيها يجب عليهم أن يوطنوا أنفسهم على تحمل أعبائها بصبر وجلد كما ورد في قوله تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (1).
وقد مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – الصابرين مدحاً عظيماً ، وبشرهم بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة ، كما في قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) (2).
الأطفـال الشهـداء
الأبناء نعمة من الله عز وجل ، لذلك نجد أن الأنبياء الكرام – عليهم الصلاة والسلام- قد طلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يرزقهم الذرية ، فهذا سيدنا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- يدعو ربه قائلاً : {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}(3) .
كما أنه – عليه الصلاة والسلام – شكر ربه على هذه النعمة الجليلة كما ذكر القرآن الكريم {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}(4) ، ( أي الحمد لله الذي رزقني على كبر سني وشيخوختي إسماعيل وإسحاق ، قال ابن عباس- رضي الله عنهما - : وُلد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة ) (5) ، وقد رأينا كثيراً من الشعراء يتحدثون عن الأبناء كقول أحدهم :
وإنمـــا أولادنــــــــــا بيننـــــــا * أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبّت الريح على أحدهم * لامتنعت عيناي عن الغمض
بينما نرى الاحتلال يغتال هؤلاء الأبناء أمام آبائهم وأمهاتهم ، حيث سقط في المجزرة الأخيرة قبل أيام أكثر من خمسة وعشرين شهيداً من الأطفال ، فهؤلاء أطفال عائلة دردونة يلقون ربهم شهداء ، وهذا أب مثل ( الأب / ناصر البرعي ) ينتظر مع زوجه خمس سنوات حتى رزقه الله بطفله محمد ، وبعد خمسة شهور فقط يلقي الطفل ربه شهيداً ، وكذلك سقطت الطفلة أميرة أبو عصر شهيدة وعمرها لم يتجاوز التسعة عشر يوماً ، وقبلهم الطفل محمد الدرة ، وإيمان حجو ...وغيرهم كثير .
هؤلاء هم أطفال فلسطين وزهرات فلسطين يحرمون من الحياة ، كما و يحرمون من اللعب والسرور كباقي أطفال العالم ، كما ويمنعون من الحصول على العلاج والدواء وغير ذلك ، فمتى يشعر أطفال فلسطين بالحرية كباقي أطفال العالم ؟!! ، وأين أدعياء حقوق الإنسان في العالم ليرحموا هؤلاء الأطفال ؟!!
تحية للمرأة الفلسطينية
توافق غداً السبت الثامن من آذار ذكرى يوم المرأة العالمي، حيث تقام المهرجانات في العالم بهذه المناسبة تكريماً للمرأة ، ونحن نتساءل ما موقف العالم مما يحدث للمرأة الفلسطينية على أرض فلسطين المباركة ، حيث تتعرض المرأة للقتل والاغتيال ، فنرى عشرات الشهداء من النساء ، وكذلك مئات الأسيرات ، كما و تقدم الأم فلذات الأكباد من الأبناء الذين يلقون ربهم شهداء، كما وتقدم الأزواج والأخوة ، هذا هو حال المرأة الفلسطينية الصابرة .
إن المرأة الفلسطينية قد سطرت صفحات مضيئة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية فهي أم الشهيد ، وزوجة الأسير ، وشقيقة الجريح ، وابنة المبعد عن وطنه ، فهن يصبرن على البلاء ، ويرضين بالقضاء ، ويشكرن في السراء والضراء.
كما أن المرأة الفلسطينية امرأة صابرة على فراق زوجها ، ووالدها ، وشقيقها ، وابنها ، كما حدث مع شهداء عائلة ( عطا الله ) فلفظ المرأة يطلق على البنت البكر ، وكذلك على المرأة المتزوجة ،لقوله تعالى : {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ } (6)، ثم تواصلت الآيات إلى قوله تعالى : {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } (7 ) .
.فألف تحية للمرأة الفلسطينية ،وكل النساء المخلصات العاملات لخدمة الوطن والعقيدة ، ألف تحية إلى كل أم ، وزوجة ، وبنت ، وأخت ، ألف تحية إلى الرجال والنساء العاملين {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } ( 8 ) .
إن المصائب يجمعن المصابينا
الأمم توحدها الشدائد ، والشعوب تتجمع عند المصائب ، وشعبنا الفلسطيني الذي يقدم قوافل الشهداء ، والجرحى ، والأسرى ، ويتعرض في هذه الأيام لهجمة شرسة من قوات الاحتلال يجب أن توحده هذه الدماء الطاهرة الزكية ، فسر قوتنا في وحدتنا ، وإن ضعفنا في فرقتنا وتخاذلنا ، فقد علمنا أساتذتنا الفضلاء ونحن أطفال في المدارس حكاية ذلك الرجل الحكيم الذي كان له اثنا عشر ولداً ، فلما حضرته الوفاة ، استدعى أولاده جميعاً ، فاجتمعوا عنده ، فطلب حزمة من العصى ، فأحضرت ، فطلب من كل واحد منهم أن يكسرها مجتمعة فعجز ، فأعطى كلا منهم عصاً فكسرها بسهولة ، فقال لهم : يا بني ، كونوا جميعاً ولا تتفرقوا فيسهل كسركم ، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
تأبي الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا
إن شعبنا الفلسطيني أحوج ما يكون إلى الوحدة والمحبة ، والتكاتف والتعاضد، ورص الصفوف، وجمع الشمل، وتوحيد الكلمة خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني، وفي هذا الوقت العصيب من حياة شعبنا حيث يتعرض شعبنا لسياسة الاغتيالات، وهدم المنازل والبيوت والمصانع، وتجريف الأراضي الزراعية، وتدمير المؤسسات، أنظر إلى الأطفال الشهداء ، و الأمهات الثكلى، وإلى النساء الأرامل، أنظر إلى الأيتام، والمعوقين، أنظر إلى المنازل والمصانع التي دمرت، والأشجار التي اقتلعت، أنظر إلى ما يحدث في شما ل غزة ونابلس وجنين وسائر محافظات الوطن.
فما أحوج شعبنا اليوم في هذا الوقت العصيب حيث الكرامة مسلوبة، والحقوق منهوبة، والأراضي مغصوبة، ما أحوج شعبنا إلى أن يجمع شمله ، ويرص صفوفه ، ويوحد كلمته.
لا بد لشعبنا أفراداً وجماعات أن يعودوا إلى الأصل إلى كتاب الله وسنة رسوله، الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به هدى إلى صراط مستقيم، لأن العودة إلى الله هي النافذة للفرج القريب إن شاء الله .
الرحمة لشهدائنا الأبرار
والشفاء العاجل لجرحانا الكرام
والحرية لأسرانا الأبطال
ولشعبنا منا الدعاء بأن يجمع الله شملنا ، ويوحد كلمتنا
ويحفظ مقدساتنا إنه سميع قريب
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الهوامش :
1- سورة البقرة الآية (155-157)
2- أخرجه مسلم
3- سورة الصافات الآية (100-101)
4- سورة إبراهيم الآية (39)
5- صفوة التفاسير للصابوني جـ2 ، ص 100
6- سورة القصص آية 23
7- سورة القصص ، آية 27
8- سورة التوبة ،آية 71