الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد
تمر بنا في هذه الأيام ذكرى يوم اليتيم الفلسطيني والتي توافق يوم الثلاثاء القادم الأول من شهر إبريل ( نيسان ) من كل عام ، ونحن في كل مناسبة نبين وجهة نظر الإسلام كي يكون المؤمن على بينة من أمره .
إن الأيتام يحظون باهتمام كبير في المجتمع الإسلامي ، حيث نرى ذلك واضحاً من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فقد جاءت النصوص الشرعية تدعو المسلمين إلى وجوب الاهتمام بالطفل اليتيم ورعايته وتهذيبه وتربيته ، والحفاظ على أمواله ، وحسن الإنفاق عليه كما في قوله تعالى :{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1 ).
وقد بلغ من إنصاف الإسلام لليتيم أنه وصف من يدع اليتيم ويقهره ولا يعطف عليه ويقدره ، بأنه يكذب بالدين ، وبيوم الدين ، وبالثواب وبالعقاب ، كما في قوله تعالى : {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} ( 2 ).
كما وينهى عن نهر اليتيم وقهره ، يقول تعالى : {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ }( 3 ) ، ويقول أيضاَ : { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى...}( 4 ) .
كما وحذر من أكل مال اليتيم، وتوعد من يفعل ذلك بعقوبة شديدة كما في قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (5 ) .
كما و بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن من وفقه الله تعالى لإدخال السرور على اليتامى تقرباً إلى الله ، وحباً في عمل الخير ، فقد فاز بمعية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الجنة ، فقد ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :
" أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى ، وفرج بينهما " ( 6 ) أي أن كافل اليتيم لا يفصل مكانه في الجنة عن مكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلا مثل ما يفصل بين الأصبعين من مسافة..!! وفي ذلك تكريم لليتيم لا يساويه تكريم.
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين..كما أن هاتين أختان ، وألصق أصبعيه السبابة والوسطى" ( 7) .
ويقـول أيضـــاً : " إن أحب البيوت إلى الله ، بيت فيه يتيم مكرم " ( 8 ) .
ويقول أيضا : " والذي بعثني بالحق ، لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم ، ولان له في الكلام، ورحم يتمه وضعفه... " ( 9 ) .
ويقول : " من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ، وفرق بين أصبعيه : السبابة والوسطى "(10 )
ويقول أيضا: " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه " (11).
فأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا لم نكفل اليتيم ؟! وإلى من ندع ذلك الطفل الذي فقد أباه أو أمه أو والديه كليهما ؟! خاصة في هذه الظروف الحرجة التي ابتلينا بها حيث تفقد العائلات الفلسطينية معيليها ، وتتعطل أعمالها ومصالحها ، نتيجة للهجمة الشرسة التي يقوم بها المحتلون على الأرواح والأراضي والمزروعات والبيـوت ، فمجتمعنا الفلسطيني زاخر بالأيتام والمحرومين .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – يخفف من القراءة في الصلاة إذا سمع بكاء طفل ، حتى يعطي الفرصة لوالديه بالإشفاق عليه ، فكيف به إذا سمع بكاء طفل فقد والديه أو أحدهما !!
وعندما زار بيت الشهيد زيد بن حارثة ولاذت به ابنة زيد ، بكى حتى انتحب .
فماذا يفعل الموسرون منا للأيتام وقد استشهد آباؤهم ، وماذا يفعل الأغنياء من المسلمين عندما يشاهدون الأطفال يودعون الشهداء من آبائهم وأولياء أمورهم ومعيليهم على شاشات الإذاعات المرئية ؟!
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ؟! فمن سيحيط بالعطف والحنان والشفقة والإحسان أولئك الأيتام الذين فقدوا معيليهم ، اذا لم تتكاتف الأيدي الرحيمة كلها للإحاطة بأولئك القاصرين ، فيعوضوهم عن تلك الأيدي الأبوية الرحيمة .
هذا هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو منهج محبيه وتابعيه والمحتفلين بذكرى مولده العطرة ، والمحتفين بمبادئه وسننه الشريفة العادلة ، التي تحب الخير للبشرية جمعاء .
ومن عجب أن الأمة التي هذا رسولها والتي هذه مكانة اليتيم فيها هي أفقر بلاد الله في المؤسسات التي ترعى اليتيم... ففيها من سوء المعاملة ولؤم الطبائع ما يذيق الطفل مرارة المذلة والهوان وتغرس حقداً فيه تجاه مجتمعه .
أفهذه هي الأمة التي رسولها محمد عليه السلام؟؟؟
أفهذه هي الأمة التي مجد رسولها اليتيم ؟؟
يقول الرسول الكريم : "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " ( 12 ) .
وقضية اليتيم في بلادنا قضية مطروحة بل هي قضية تفرض نفسها على المجتمع...ولا بد من بحثها ودراستها وإيجاد الحلول لها .
وحقيقة فان هناك مؤسسات في الضفة والقطاع تقوم برعاية الأيتام لكن هذه المؤسسات لا تتحمل العدد الكبير الموجود من الأيتام .
نحن نريد أن تعم هذه الفكرة جميع مدننا وقرانا ومخيماتنا.
لماذا لا تخصص أماكن لرعاية هؤلاء الأيتام ؟!
لماذا لا تقوم جامعاتنا، وكلياتنا بإعفائهم من الرسوم؟ بل ويتعدى ذلك إلى تقديم مساعدات مالية وعينية لهم خصوصاً المجتهدين منهم ؟!
لماذا لا نستغل الأعياد والمناسبات لتقديم الهدايا لهؤلاء الأيتام حتى نرسم الابتسامة على شفاهم؟! هؤلاء نساعدهم اليوم، وسيساعدون غيرهم غداً إن شاء الله، ونحن نرى اليوم -والحمد لله- أن من بين هؤلاء الأيتام من أصبح يتولى مراكز هامة بفضل الله ثم بجدهم و اجتهادهم .
أخي القاريء: أينما كنت حياك الله، وإنني لأهمس في أذنيك بحديث رسول الله "الراحمون يرحمهم الرحمن"وإن التعاون على الخير سبيل هذه الأمة منذ أشرقت شمس الإسلام،وعندما تتعاون الأمة تحقق ماتصبو إليه من خير.
لذلك فيجب علينا جميعاً توعية المجتمع الفلسطيني بحقوق الأيتام ،وأوجه رعايتهم من خلال المؤسسات التربوية المختلفة ، ووجوب التزام أفراد المجتمع برعاية الأيتام قولاً وعملاً في ضوء ما جاء به التشريع الإسلامي ، وأن نوفر الرعاية التربوية والتعليمية للأيتام في جميع مؤسسات التعليم ، كما ونعمل سوياً على تأمين الحياة الاقتصادية لليتامى من خلال تفعيل آليات التكافل الاجتماعي بين المسلمين واستثمارها في مجال رعاية الأيتام .
كما ويجب على الآباء الالتزام في حياتهم بمراقبة الله وتقواه ، والالتزام بالسديد من الأقوال والأعمال ، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى : {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} ( 13 ).
فهذا نداء أوجهه إلى أبناء شعبنا الكريم ، فالخير ما زال في شعبنا وأمتنا إن شاء الله .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
الهوامش :
1-سورة البقرة الآية (220)
2- سورة الماعون الآية (1-2)
3- سورة الضحى الآية (9)
4- سورة البقرة الآية (177)
5-سورة النساء الآية (10)
6- أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي
7- أخرجه ابن ماجه
8- أخرجه الطبراني والأصبهاني
9- أخرجه الطبراني
10- أخرجه أحمد
11- أخرجه ابن ماجه
12- أخرجه الطبراني
13- سورة النساء الآية (9)