2023-09-22

الإسـلام ... ويـوم الصحـة العالمـي
2008-04-11

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم إلى يوم الدين أما بعد :

وافق يوم الاثنين الماضي السابع من شهر أبريل ( نيسان ) يوم الصحة العالمي ، ونحن في كل مناسبة نبين وجهة نظر الإسلام كي يكون المؤمن على بينة من أمره .

لقد حرص الإسلام على سلامة المسلم ، وحفظ صحته وماله وعرضه ، حيث بينت الشريعة الإسلامية وجوب صيانة الأركان الضرورية للحياة البشرية  وهي : حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ المال،  وهذه الضرورات هي أعلى مراتب المقاصد الشرعية ، بل هي الغاية الأولى من نزول التشريع ، ولابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ، فإذا فقدت اختلت الحياة الإنسانية  ، وقد اتفقت جميع الرسالات السماوية على وجوب حفظها  وصيانتها .

إن الصحة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدين،  فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، ولأن الخلافة في الأرض ،  والقيام بحمل الأمانة التي أوكلها الله للإنسان في الدنيا ، تحتاج إلى الأقوياء القادرين على خدمة دينهم ووطنهم وأنفسهم، فنعمة الصحة من أجل النعم التي أنعم الله بها على عباده بعد تقوى الله ، فقد ثبت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ( 1)  ، كما ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :  ( من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه  ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )(2).

ومن سنن الله – عز وجل – أن البقاء في الكون للأصحاء الأقوياء ، فهم الذين يستخلفهم الله في الأرض فيعمرونها ، ويصلون إلى خباياها وأسرارها ، ويكشفون عن خيراتها وكنوزها ، وأنه ما ارتقت أمة   ذروة المجد ، إلا بقوة أبنائها ، وصحة أبدانهم  ، لأن ذلك وسيلة إلى سلامة عقولهم ، ونضج تفكيرهم ، ومضاء عزائمهم وسداد أعمالهم  ، لذلك نرى بأن النبي -صلى الله عليه وسلم – كان يسأل الله العفو والعافية ويقول : ( سلوا الله العفو والعافية ، فإن أحداً لم يُعط بعد اليقين خيراً من العافية ) ( 3) .

لقد اهتم الإسلام بصحة الأفراد و الجماعات، ووضع لها الضوابط اللازمة، وأمر بمراعاتها و العناية بها، ليشبَّ  الفرد المسلم على المستوى الكريم اللائق به، فالصلاة عماد الدين ، وفيها يقف المؤمن  بين يدي خالقه داعياً ومتقرباً ، وهي كالنهر الذي يغتسل فيه المؤمن كل يوم خمس مرات فتزيل الدرن والأوساخ والأقذار وتقرب الإنسان من ربه سبحانه وتعالى ،   {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ*  فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }( 4) . 

والصلاة تعلم الإنسان دروساً عديدة منها : الحرص على الطهارة العضوية والقلبية والترتيب والنظام ، والعمل بروح الجماعة ،  { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ  } ( 5) ، كما  ثبت للأطباء  والعامة كذلك ، أن الإنسان الذي يتعود على الصلاة وعلى أدائها كما يجب أن تؤدى ، منذ طفولته ، يتقى العديد من أمراض الظهر كالانزلاق الغضروفي والتيبس ، كما أن أداءالصلاة يقوي العضلات والعظام ، ويحفظ الجهاز الدوري والقلب والأوعية الدموية ، ويزيد تدفق الدم إلى أجزاء الجسم ..  

 

إرشادات إسلامية للمحافظة على الصحة

وللمحافظة على الصحة ، أحل الله لعباده الطيبات ، وحرم عليهم الخبائث ، حرصاً على الصحــــــة ، وإبقاء على القوة .

-    فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يواظب على استعمال السواك ، حرصاً منه على طيب فمه، فقد ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) ( 6)   .

-     ومن أجل المحافظة على الصحة والقوة فقد رفض سول الله – صلى الله عليه وسلم -  ما أراده بعض المسلمين من صيام الدهر ، وصلاة الليل أبداً  ، واعتزال النساء قائلاً : ( أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) (7)، كما  وورد في الحديث عن أنس – رضي الله عنه - قال : ( مر النبي – صلى الله عليه وسلم – بشيخ يتهادى بين ابنيه ، فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : يا رسول الله : نذر أن يمشي : قال إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه ، فأمره أن يركب ) ( 8 ) .

-      وفي نطاق المحافظة على البيئة والصحة العامة وإماطة الأذى عن الطرقات التبول والتبرُّز في الماء الراكد، و الظل الذي يجلسون فيه، والطرق والأماكن التي يرتادها الناس  يقول – صلى الله عليه وسلم - : ( اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد ،وقارعة الطريق،  والظل ) ( 9) ، ويقول أيضاً :  (الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) (10).

-    كما عُني الإسلام بنظافة البيت وساحاتِه و أفنيتِه ( إِن اللَّه طيِبٌ يحب الطيِبَ نظيفٌ يُحِب النظافة كريم يُحب الكرمَ جوادٌ يُحِب الجودَ فنظفوا - أراه  قال- أفنيتَكم ولا تشبهوا بِاليهود) (11).

-    كما و حرم الإسلام كل ما يفسد صحة الإنسان أو بيئته ، فحرم أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وحرم كل مسكر ومفتر كالخمر والمخدرات والتدخين ،  فقد جاء في الحديث الشريف: ( نهى رسول الله  - صلى الله عليه وسلم – عن كل مسكر ومفتر ) ( 12) ،  المسكر معروف ، والمفتّر هو الذي يصيب الجسد بالفتور والخدر. 

-    كما وحرم  الإسلام الممارسات الجنسية غير الشرعية كالزنا ، حيث أغلق أبواب الحرام أمام المسلم ، وفتح له أبواب الحلال ، ودعا الناس إلى أن يتزوجوا ويزوجوا : {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (13 ).

-    كما ووجهنا الإسلام إلى عدم الإسراف في الحلال ولا نملأ بطوننا بالأطعمة التي تفسد الصحة ، لقوله– صلى الله عليه وسلم -  : ( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فاعلا ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ) ( 14) ، فالهدي الإسلامي في حفظ الصحة يوجز في أكل ما أحل الله بدون إسراف أو تبذير ، وهذا نجده في قوله تعالى : {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } ( 15 ) .

-    كما حافظ الإسلامُ على الصحةِ الاجتماعية، ودعا المسلمين أن يأخذوا زينتَهم عند كل مسجد  ، لقوله تعالى: ] يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ..َ[  (16).

-    كما حذر رسول الله– صلى الله عليه وسلم-    من ترك آنية الطعام والشراب مكشوفة عرضةً للهواء، وللحشرات الناقلة للأمراض، فقال -عليه الصلاة والسلام- : ( غطوا الإناء وأَوكوا السقاء) (17)  ، ونهى – صلى الله عليه وسلم -  أن يتنفس الشاربُ في الماء بقوله: ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء)( 18)، لأن هواء الزفير يلوثه ويفسده، وسن للشارب أن يشرب على ثلاث دفعات، يتنفس في نهاية كل منها خارجَ الإناء.

نسأل الله تعالى أن يمتعنا جميعاً بالصحة وأن يقينا شر الأمراض، لأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، يقول الله تعالى : {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (19)  .

 

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

 

الهوامش :

1- أخرجه البخاري                                         

2- أخرجه الترمذي والبخاري     

3-أخرجه أحمد والترمذي .

4- سورة البقرة الآية( 238-239  )             

5- سورة العنكبوت الآية(45)      

6- أخرجه أصحاب السنن

7- أخرجه الشيخان                                         

8- أخرجه الترمذي                        

9-أخرجه أبو داود

10- أخرجه الشيخان                                      

11- أخرجه الترمذي                     

12- أخرجه أحمد وأبو داود      

13- سورة النــور الآية( 32)                         

14- أخرجه الترمذي     

15+16سورة الأعراف الآية (31)

17- أخرجه مسلم                                            

18- أخرجه البخاري                      

19- سورة القصص الآية (26 )