2023-09-22

الإســلام ... وحريــة الأســرى
2008-04-18

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم إلى يوم الدين أما بعد :

وافق أمس الخميس السابع عشر من شهر أبريل ( نيسان ) يوم الأسير الفلسطيني ، وهذه المناسبة من المناسبات التي تجمع الفلسطينيين وتوحدهم ، فقضية الأسرى من القضايا التي يجمع عليها أبناء الشعب الفلسطيني بكل فصائله ، وفي جميع أماكن تواجده ، حيث يتابع الفلسطينيون بكل دقة هذا الملف ويتمنون أن يأتي اليوم الذي يخرج فيه جميع الأسرى، وأقول جميع الأسرى من سجون الاحتلال ، ليعودوا إلى أسرهم، وأهليهم، ووطنهم، ليساهموا في بناء هذا الوطن كما ساهموا في الدفاع عنه وتحريره.

إن الشعب الفلسطيني يتابع باهتمام قضية الأسرى ، فهي تقع على سلم الأولويات للشعب الفلسطيني بكل ألوان طيفه، كما أنها قضية تمس كل أسرة فلسطينية، فلا تكاد أسرة واحدة تخلو من أسير سواء كان أخاً، أو ابناً، أو أباً، أو زوجاً، أو أختاً، أو قريباً، أو صديقاً أو جاراً .

ونحن في هذا اليوم – وفي كل يوم – نعبر عن مدى حبنا وتقديرنا للأسرى الأبطال ،  الذين يزيد عددهم في السجون والمعتقلات الإسرائيلية على أحد عشر ألف أسير ، ونخص منهم الأسيرات فهن الأخوات الفضليات ، اللاتي يقاسين سطوة الجلاد ، وكذلك الأسرى الأطفال فهم فلذة الأكباد ، الذين حيل بينهم وبين لقاء أحبتهم من الآباء والأمهات ، والأخوة والأخوات .

إن ديننا الإسلامي الحنيف يحث على إكرام الأسرى والإحسان إليهم كما في قوله تعالى : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } (1 ) ، قال ابن كثير – رحمه الله - : " قال ابن عباس كان أسراهم يومئذ مشركين ويشهد لهذا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء " (2 ).

كما نرى ذلك واضحاً من خلال سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد انتهاء معركة بدر الكبرى، ومن خلال سيرته العطرة كما  جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال :  ( بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خيلاً قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال ، سيد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقال :  " ماذا  عندك يا ثمامة ؟ " .

فقال : عندي يا محمد خيرٌ ، إن تقتل تقتل ذا دمٍ ، وإن تنعم تنعم على شاكرٍ ، وإن كنت تريد المال ، فسل تُعط منه ما شئت  ، فتركه رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  حتى كان بعد الغد  ، فقال : " ما عندك يا ثمامة ؟ " .

قال : ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ ، وإن كنت تريد المال ، فسل تُعط منه ما شئت ،فتركه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى كان  من الغد  فقال : " ماذا عندك يا ثمامة؟" .

فقال : " عندي ما قلت لك .. إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ ، وإن كنت تريد المال فسل تُعط منه ماشئت ، فقال رسول الله  – صلى الله عليه وسلم – : " أطلقوا ثمامة "  .

 فانطلق إلى نخل قريب من المسجد ، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

 يا محمد ، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ ،  والله  ما كان من دين أبغض إليَّ  من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ  ، والله ما كان بلد  أبغض إليَّ من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ  ) (3 )   .  

وعند دراستنا لشرح هذا الحديث الصحيح نتعرف على أن سرية من سرايا المسلمين قد أسرت سيداً من سادات بني حنيفة ، وملكاً من ملوك اليمامة هو ( ثمامة بن أثال ) وأتت به إلى المدينة ، وشدته إلى ساريةٍ من سواري المسجد، منتظرة أن يقف النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – بنفسه على شأن الأسير ، وأن يأمر فيه بأمره.

ولما خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المسجد ، وَهَمَّ بالدخول فيه رأي ثمامة مربوطاً في السارية ، فقال لأصحابه ( أتدرون من أخذتم ؟ )، فقالوا : لا يا رسول الله .

فقال : (  هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، فأحسنوا أساره ) .

ثم رجع -عليه الصلاة والسلام-  إلى أهله وقال : ( اجمعوا ما كان عندكم من طعام، وابعثوا به إلى ثمامة بن أثال ) ، ثم أمر بناقته أن تحلب له في الغدوّ   والرواح ، وأن يقدم إليه لبنها ، وقد تم ذلك كله قبل أن يلقاه الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو يكلمه ، وبعد ذلك أقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – على ثمامة يريد أن يستدرجه إلى الإسلام .

لقد أثمرت المعاملة الحسنة التي عامل بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال ، حيث أعلن ثمامة إسلامه ، ودخوله في هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين ، كما أن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حباً في ساعة واحدة لما أسداه النبي – صلى الله عليه وسلم – إليه من العفو والمن بغير مقابل .

وهكذا أثرت هذه المعاملة الحسنة والخلق الكريم ، في استمالة قلب رجل غير عادي ، فهو ليس من بسطاء الناس أو سذجهم ، بل هو سيد قومه ، ولم يكن إسلامه إسلام تقية أو خوفاً على نفسه وحياته.

ثم أردف ثمامة مخاطباً النبي – صلى الله عليه وسلم -  قائلاً : لقد كنت أصبت في أصحابك دماً فما الذي توجبه عليَّ ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تثريب عليك يا ثمامة ، فإن الإسلام يجبُّ ما قبله )،وبشره بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه .

فانبسطت أسارير ثمامة وقال : والله لأصيبن من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك ، ولأضعن نفسي وسيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك ، وهكذا يتبين لنا قيمة الفرد في الإسلام ، فالعناية بالأسير وتحريره ، ليس إلا لوناً من العناية بالفرد في الجماعة .

لذلك يجب علينا جميعاً الوقوف مع الأسرى الأبطال ، وتقديم العون والمساندة لأسرهم وأبنائهم كي يحيوا حياة كريمة طيبة ، كما يجب على جميع شرائح المجتمع المشاركة في جميع الفعاليات المتضامنة معهم.

 إن الواجب على شعبنا الفلسطيني أن تتكاتف جهوده من أجل العمل على إطلاق سراح جميع الأسرى الأبطال من سجون الاحتلال ، تنفيذاً لقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكوا العاني " الأسير " ) ( 4)    .

ومن هنا فإننا نقول لأسرانا الكرام : أنتم في قلوب كل أبناء شعبكم الوفي ، ولن يخذلكم شعبكم إن شاء الله ، وسيحافظ على وحدته إن شاء الله  ، لأن فلسطين التي ضحيتم من أجلها ستبقى أكبر من الجميع ، ولن يهدأ لنا بال، ولن يكون هناك استقرار إلا بخروج آخر أسير منكم ، كي تتنفسوا نسائم الحرية ، وكي تساهموا في بناء وطننا الغالي  الذي ضحيتم جميعاً من أجله .

وبهذه المناسبة فإننا نتوجه إلى جميع الهيئات العربية والإسلامية والدولية أن توحد جهودها ، وتعمل ما تستطيع من أجل عودة أشقائنا الأسرى إلى بيوتهم ، وآبائهم ، وأمهاتهم ، وأبنائهم ، وأهليهم .

أما آن لأسرانا الأبطال أن يتنفسوا نسائم الحرية ؟!

أما آن لأسرانا الأبطال أن يخرجوا من زنازين المحتلين ؟!

آما آن لأسرانا الأبطال  أن يساهموا في بناء هذا الوطن كما ساهموا في الذود عنه ؟!

آما آن للأسرة الفلسطينية أن تجتمع من جديد ،كما كانت دائماً قوية موحدة ،صلبة عصية على الكسر.

نسأل الله العلي القدير أن يجمع شملنا ، وأن يوحد كلمتنا ، وأن يؤلف بين قلوبنا .

اللهم فك أسرى المأسورين ، وأعدهم إلى أهليهم سالمين غانمين.

اللهم حرر مقدساتنا خاصة وبلادنا فلسطين عامة من كيد الكائدين وأطماع الطامعين

أملنا في الله كبير فإنه نعم المولى ونعم المصير .

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

 

الهوامش :        

 1- سورة الإنسان الآية (8-9) .                           

2-  تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج4، ص585.

 3- أخرجه الشيخان .                          

4- أخرجه البخاري