2023-09-22

الإسلام وتعظيم الاستفادة بالوقت
2008-06-13

 الحمد  لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد  – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد  

أنهى طلابنا الأعزاء اختباراتهم في جميع المراحل الدراسية الابتدائية ، والإعدادية ، والثانوية ، وفي هذه الأيام تعقد امتحانات الثانوية العامة ، حيث يتقدم لها عشرات الآلاف من أبنائنا الأكارم في جميع محافظات الوطن ، نسأل الله لهم التوفيق والنجاح إنه سميع قريب .

ومن المعلوم أن عشرات الآلاف من أبنائنا وبناتنا  قد بدأوا إجازتهم الصيفية التي تستمر لمدة ثلاثة شهور، وهذه الفترة تشكل ربع العام وهي جزء غال من حياة الإنسان، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم- يقول : "أعمار أمتي بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز "

وقديماً قال الشاعر :

إذا عاش الفتـــــى ستـــــين عامـــــــاً        فنصف العمر تمحقه الليالي

ونصف النصف يذهب ليس يدري        لغفلته يمينــــــــــــاً مع شمال

وباقي العمـــــر آمــــــــال وحــــــــرص      وشغل بالمكاسب والعيــــال

إن الفراغ نعمة من النعم العظيمة التي ينعم بها الله عز وجل على عباده ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) ( 1 ).

وقد أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – في عدد من الأحاديث الشريفة إلى عامل الوقت والزمن ،   حيث دعا – صلى الله عليه وسلم -   إلى اغتنامه في كثير من الأحاديث منها :

*    قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك )  (   2)  .

*  وقوله – صلى الله عليه وسلم – : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ما عمل فيه) (3)

فنحن نرى أن الوقت والعمر الذي يستغرقه الإنسان في هذه الدنيا إنما هو أمانة لديه ، وسيسأله الله عن الوفاء بها والقيام بحقها يوم القيامة ، وفي هذا إشارة دقيقة وجليلة ، ودعوة كريمة إلى المحافظة على العمر ، واستغلاله في كل عمل مثمر مفيد .

* كما نقرأ في الحديث الشريف قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )  (4).

إن الوقت من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا ، فماذا عملنا في أوقاتنا ، وبماذا شغلنا أنفسنا ؟ هل شغلنا أنفسنا بطاعة الله – عز وجل – والسعي في مرضاته ؟ أم جعلنا أوقاتنا تضيع في اللهو واللعب و سماع الأغاني و مشاهدة المسلسلات.

إن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – كان أحفظ الناس لوقته ، فكانت حياته كلها ذكراً لله–عز وجل – وطاعة له ، فقد قال عبد الله بن عمر – رضي الله عنه - : كنا نعد لرسول الله –صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة : ( رب اغفر لي وتُب عليَّ إنك أنت التوَّاب الرحيم ) ( 5  )

كما وورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) ( 6)  .

فالرسول – صلى الله عليه وسلم – رغم إنشغاله بأمور الأمة ، ومصالح المسلمين ، كان لا يفتر عن ذكر الله– عز وجل – وكان إذا عرض له عارض بشري فشغله بعض الشيء،  عدّ ذلك ذنباً وفزع إلى ساحة الاستغفار ، والتوبة إلى الله – عزوجل –، فأين نحن من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في  حفظ الوقت واستغلال العمر فيما يقربنا من الله – عز وجل -؟! .

فكثير من الناس لا يستغلون أوقاتهم   ، في التقرب إلى الله عز وجل بأنواع القُرُبات  ، والسعي في مصالح المسلمين ، وممارسة الأعمال المشروعة،  بل نجد كثيراً من الناس  وللأسف يضيعون أوقاتهم وإجازاتهم سدى بدون فائدة بل يكسبون إثماً ، بفعل المعاصي ، وترك الطاعات ،  وقد حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على المُسارَعة إلى الطاعات والمسابقة إلى فعل الخيرات  فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ) (7).

   فوجود الفراغ مشكلة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، واتجاه خطير يشكل تهديداً لأمتنا في رحلة التيه الفكري والحضاري التي تمر بها الآن ، وقد أقسم الله تعالى بالوقت لقيمته الكبرى بقوله :  {وَالْعَصْرِ*   إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (8 ) .

وقد نبه الشرع على الحذر من فوات الوقت والأعمال ، فقد روي عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه كان يقول : ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلى،ولم يزد فيه عملي ).

لذلك فإننا نتوجه لأولياء الأمور بضرورة إرسال أبنائهم وبناتهم ليلتحقوا بمراكز تحفيظ القرآن الكريم، هذه المراكز التي تعم أرجاء وطننا الغالي فلسطين، وكذلك للالتحاق بالمراكز الثقافية، والدورات العلمية التي تقيمها المؤسسات الخيرية كتعلم الكمبيوتر، والرياضة ، والإسعافات الأولية، والأعمال النسائية .

            إننا مطالبون أفراداً وجماعات، ومؤسسات، ودولاً  أن نتقي الله في أعمارنا، وأن نعلن الصلح مع الله، وأن نكثر من أفعال الخير، وننأى بأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا عن طريق الشر ، عسى أن تدركنا رحمة الله {  إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ  } (9) .

            وما دمنا لا ندري متى سنموت فيجب علينا طاعة الله وتنفيذ أوامره ورد الحقوق لأصحابها من قبل أن يأتي يوم لابيع فيه ولا خلال .

إن التاريخ لم يعرف أمة قدس دستورها الزمن، كأمتنا الإسلامية، التي حدثها الله سبحانه وتعالى دائماً عن نفسه، وعن خلقة بكل دقة .

* لقد حدث الله عن خلق السموات والأرض فقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أيام} (10).

* وحدث عن أمره وإرادته فذكر أن ذلك يتم في غير زمان{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (11) . 

* وحدث عن علمه بالخلق وأحوالهم فبين أن ذلك يتناول أدق الأمور "الله يعلم ما تحمل كل أنثى، وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار" (12 ).

* وحدث عن تسجيل أعمال الخلائق فبين أن ذلك يشمل القليل والكثير "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" (13 ).

* وحدث سبحانه عن حسابه للخلق فذكر أن ذلك يتم بميزان دقيق "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين"  (14 ).

            ومن المعلوم أن رسولنا – عليه الصلاة والسلام – قد اغتنم كل لحظة من حياته، وعلم أصحابه ذلك، فما مضى قرن من الزمان حتى رأينا الرايات الإسلامية ترفرف فوق مساحات شاسعة من قارات العالم بفضل الله أولاً، ثم بجهدهم وعملهم وإخلاصهم.

            إن الأمم تستغل وقتها أحسن الاستغلال في الخير  وفي المخترعات العلمية التي تعود بالخير على أبناء البشرية، وفي سبيل النهوض بحياة الأمم والشعوب.

إن أجدادنا استغلوا أعمارهم في الخير، فكانوا العلماء النابغين الأفذاذ الذين طأطأ لهم الشرق والغرب إجلالاً واحتراماً في شتى المجالات، بينما نرى اليوم أن الأمة العربية والإسلامية في ذيل البشرية في العالم الثالث.

لذلك ننصح أبناءنا أن يغتنموا الإجازة الصيفية بما يعود عليهم بالفائدة والسعادة في الدنيا والآخرة فالشاب   الذي يربى على النحو الذي يريده الإسلام يكون طاقة بناءة في الاتجاه الصحيح ، ويدعم بجهده وإخلاصه ووعيه أمن الأمة وسلامتها ، فقد بشر النبي – صلى الله عليه وسلم – الشاب الصالح العاقل الذي يطيع الله ويطيع رسوله- صلى الله عليه وسلم - ويقبل على كل ما ينفعه في دنياه وآخرته ، أنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " شاب نشأ في عبادة الله "  (15 ).

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

 

الهوامش :

 1- أخرجه البخاري                              

2- أخرجه البيهقي                                 

3- أخرجه الترمذي

4- أخرجه البخاري                                               

5-أخرجه أبو داود والترمذي                                

6-أخرجه البخاري

7- أخرجه البيهقي                                 

8-سورة العصر الآية  (1-3)                    

9- سورة  الرعد الآية (11)

10- سورة الحديد الآية(4)                    

11-سورة يــس الآية(82)  "                   

12-سورة يــس الآية(82)

13- سورة الرعة الآية (8)                       

14- سورة الكهف الآية (49)                  

15- أخرجه الشيخان