2023-09-22

الوحـدة الإسلاميـة ضرورة حتميــة
2008-07-04

الحمد  لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد  – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد

إن أقوى عامل على تقدم الأمة ونهوضها ، وخير سبيل لعلو شأنها ، ورفع منارها ، وبلوغها ذروة المجد والشرف ، هو اتحاد القلوب وتضافر الجهد ، وتوحيد الصف ، وجمع الكلمة .

فالاتحاد أساس كل خير وسعادة ، وعماد الرُقي والسيادة ، فكم به عمرت بلاد، وسادت عباد ، وما نال قوم نصيبهم من رغد العيش والهناء ، ولا فاز شعب من الشعوب بحظه الوافر من الراحة ، وسلم من العناء ، إلا بالتآلف والتناصر ، والتعاون والتضامن ، وما حظيت أمة بما ترتجيه ، إلا بجمع شملها ، وتوحيد صفوفها، وسعيها الدائب إلى ما يجلب لها الخير ، ويحقق لها الرخاء .

فديننا الإسلامي يرشدنا إلى أهمية الاتحاد واجتماع الكلمة ، ليرقى بذلك أن يكون أصلاً من أصول الدين ، وأمراً ربانيا ًتضمّنه القرآن الكريم ، وتأكيداً نبوياً فيما لا يحصى من الأحاديث الصحيحة الصريحة ، وتطبيقاً عملياً لحياة الصحابة والتابعين .

بينما نجد واقع المسلمين ينبئ عن قدر كبير من الاختلاف والتباعد ، والتطاحن حول قضايا ، ربما تكون مفهومة أحياناً وغير مفهومة في كثير من الأحيان، وكما قال الشاعر :

بحثت عن الأديان في الأرض كلها    وجبت بلاد الله غرباً ومشرقاً

فلم أر كالإسلام أدعى لألفـــــــــــــــةٍ    ولا مثـــــل أهليـــه أشد تفرقا

عجيب أمر المسلمين !! إلههم واحد ، ورسولهم واحد ، وقرآنهم واحد ، وسنتهم واحدة ، ولغة قرآنهم وسنتهم واحدة ، ومع ذلك فهم دول ممزقة ، وشعوب متفرقة ، وفرق متناحرة ، وجماعات متصارعة ، ومذاهب مختلفة ، مع أن الإسلام يدعوهم إلى الوحدة في صراحة واضحة لا تحتاج إلى تفسير ولا إلى تأويل ولا إلى اجتهاد ، يقول الله تعالى :   {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ( 1 ) .

لقد أمر الله عز وجل المسلمين في هذه الآية الكريمة أن يكونوا جميعاً متمسكين بكتاب الله وبتعاليم دينه وأحكامه في وحدة مترابطة تجمعهم ، لأن الوحدة سبب قوتهم وغلبتهم وعزتهم ، ونهاهم عن التمزق والفرقة لأنها تكون سبب ضعفهم وقهرهم وذلتهم ، وذكرتهم الآية الكريمة بنعمة الله عليهم أن هداهم إلى الإسلام الذي وحد شملهم ،وجمع كلمتهم ، فأصبحوا إخواناً متحابين بعد أن كانوا في الجاهلية أعداء متناحرين يضرب بعضهم رقاب بعض ، فعليكم إذن أيها المسلمون أن تجتمعوا على طاعة الله ، وأن تكونوا يداً واحدة في وحدة مترابطة على كلمة سواء ، وإذا حدتم عن هذا الطريق السوى الذي دعاكم إليه  الله وأمركم بالالتزام به فلن تجنوا إلا الضعف والهوان والذلة والخسران .

إن الأمة الإسلامية  في هذه الأيام تمر في ظروف صعبة قاسية  من تاريخها ، فقد تكالب عليها أعداؤها، وأحاطوا بها من كل جانب ، وصدقت فيهم نبوءة الرسول – صلى الله عليه وسلم-  في الحديث الذي يرويه ثوبان  – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : (  يوشك أن تتداعى عليكم الأمم ، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن " قالوا: وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : " حبّ الدنيا ، وكراهية الموت " )  ( 2) .

فالحديث يشير إلى مؤامرة دولية ، تتداعى فيها الأمم على المسلمين الذين أصبحوا لقمة سائغة لكل جائع أو طامع ، وهذا ما صدقه الواقع الذي عايشناه ، لذلك فإن الأمة الإسلامية في أمس الحاجة الآن إلى الرجوع إلى الله والعودة إليه ، وتطبيق أوامره وتعاليمه ، واتخاذ الخطوات العملية الجادة لتنفيذ الوحدة الإسلامية قولاً وعملاً ومنهجاً وسلوكاً .

 إن أمتنا الإسلامية كانت خير الأمم، لأنها كانت أمة متآخية كل التآخي، متعاونة على البر والتقوى، متحدة في أهدافها وغاياتها، معتصمة بحبل ربها، قلوبها متآلفة، وصدورها متصافية، وكلمتها مجتمعة، التراحم قائم، والتسامح موجود، وحب الخير يملأ كل قلب ونفس .

وبذلك تبوأت أمتنا أعلى مراتب العز والشرف، وكانت لها السيادة والقيادة على شعوب الأرض قاطبة، فأقامت موازين القسط والعدالة والمساواة بين الناس،ونشرت في ربوع الدنيا رسالة الإسلام،ومباديء القرآن .

إن عدو الله-إبليس- لا يرضى للإنسان أن يحب أخاه المسلم فيعمل جاهداً من أجل إفساد العلاقات الأخوية كما قال عز وجل : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً" ( 3 ) .

إن المؤمنين يعون هذه المهمة السيئة للشيطان فلا يطيعونه، وإذا ما غفلوا للحظة انتبهوا، وبسرعة، وعادوا إلى جادة الصواب .

لقد حصل مرة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن نشأت بين بعض الصحابة-رضوان الله عليهم-مشادة كلامية سمع منها ارتفاع الصوت فأخرجت أم المؤمنين أم سلمة-رضي الله عنها-يدها من الحجرة الطاهرة وأخذت تقول لهم: إن نبيكم يكره التفرق، ثم تلت عليهم قوله تعالى: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء"( 4 ) ، وتعني أن الخصام أساس الفرقة، والفرقة أساس البلاء،    ولله در القائل :

                        كونــوا جميعاً يابني إذا اعترى        خطب ولا تتفرقــــوا آحادا

                        تأبى العصى إذا اجتمعن تكسرا       وإذا افترقن تكسرت آحادا

            ‍إن شعبنا الفلسطيني أحوج ما يكون إلى الوحدة والمحبة ، والتكاتف والتعاضد، ورص الصفوف، وجمع الشمل، وتوحيد الكلمة خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني، وفي هذا الوقت العصيب من حياة شعبنا حيث يتعرض شعبنا لسياسة الاغتيالات، وهدم المنازل والبيوت والمصانع، وتجريف الأراضي الزراعية، وتدمير المؤسسات، انظر  إلى الأمهات الثكلى، وإلى النساء الأرامل، انظر إلى الأيتام، والمعوقين، انظر إلى المنازل والمصانع التي دمرت، والأشجار التي اقتلعت، انظر إلى ما يحدث في سائر محافظات الوطن ، أنظر إلى آلاف الأسرى الأبطال في سجون وزنازين الاحتلال الذين ينتظرون ساعة الفرج والحرية ، هؤلاء الأبطال رغم ظلم السجن والسجان إلا أنهم يناشدوننا دائماً بضرورة الوحدة والمحبة ورص الصفوف ، والعودة إلى طاولة الحوار لنجمع شملنا ، ونوحد كلمتنا ونترفع على جراحنا وآلامنا ، ولنفتح صفحة جديدة من المحبة والوحدة والتراحم إن شاء الله .

فالواجب علينا أن نكون إخوة متحابين، وأن نتعاون على البر والتقوى، كما قال العلماء : (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) ، وأن يساعد الغني الفقير، وأن يعطف القوي على الضعيف .

لقد ذكر أستاذنا الشيخ  / محمد الغزالي في كتابه خلق المسلم أن المصلين اختلفوا في صلاة التراويح هل هي ثماني ركعات أم عشرون ركعة ، فقال بعضهم بأنها ثماني ركعات ، وقال آخرون بأنها عشرون ركعة .

وتعصب كل فريق لرأيه ، وكادت أن تحدث فتنه ، ثم اتفق الجميع على ان يستفتوا عالما في هذه القضية فسألوه عن رأيه في الأمر ، فنظر الشيخ بذكائه فعرف ما في نفوسهم ، وهو أن كل طرف يريد كلمة منه ، فقال الشيخ مستعينا بفقهه : الرأي أن يغلق المسجد بعد صلاة العشاء ( الفريضة ) فلا تصلى فيه تراويح البته     قالوا : ولماذا أيها الشيخ  ؟ !

قال : لأن صلاة التراويح نافلة ( سنة ) ووحدة المسلمين فريضة ، فلا بارك الله في سنة هدمت فريضة .

نعم ديننا ، كتاب ربنا ، سنة نبينا ، تحثنا على الوحدة خصوصا في هذه الأوقات العصيبة من حياة شعبنا المرابط .

 إن وحدة المسلمين وتضامنهم عمل يمثل قطب الرحى، ويمثل طوق النجاة لسفينة المسلمين، فالمسلمون لن ترتفع لهم راية، ولن يستقيم لهم أمر، مالم يكونوا متضامنين مجتمعين على كلمة واحدة، فقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم على أمة ممزقة مبعثرة فجمعها ووحد كلمتها، ثم جمع العرب على اختلاف أوطانهم وجعلهم أمة واحدة بعد أن كانت الحروب مستعرة بينهم وصهرهم جميعاً في بوتقة الإسلام.

            إن شعبنا الفلسطيني يتطلع إلى يوم قريب إن شاء الله يرفع فيه الحصار ، ويجتمع فيه الشمل ، ويعود الأسرى إلى أهلهم وذويهم ، وتعود البسمة إلى شفاه أطفالنا وأبنائنا ، وتحرر مقدساتنا وبلادنا المباركة ، ويعود اللاجئون إلى وطنهم  إن شاء الله تعالى .

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

 

الهوامش :

1-  سورة آل عمران الآية (103)                     

2- أخرجه أبو داود وأحمد      

3- سورة فاطر الآية (6)

4- سورة الأنعام الآية (159)