الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد
الأسرة في الإسلام مؤسسة تقوم على الحب والتكافل والتعاون ، والزوج في هذه المؤسسة هو رئيسها القائم بأمرها ، والمتحكم في قيادتها ، والزوجة هي المحضن الدافئ لنتاج هذه المؤسسة ، فهي التي ترعى الصغار وتغذيهم وتطعمهم القيم والسلوك والأخلاق مع الحليب ، و للأسرة المسلمة كيان واحد كانت وما زالت وستظل إلى أن يشاء الله وحدة متماسكة، لا ينال من استقرارها شياطين الإنس والجن، الذين يستهدفون الأسرة المسلمة ، يريدون أن يوقدوا نيران العداوة والبغضاء بين الزوج وزوجه، لكي تصبح الأسرة المسلمة مثل غيرها في المجتمعات الأخرى شيئاً ممزقاً، ليس بينها روابط المودة والرحمة التي تبنى عليها الأسرة المسلمة .
و الإسلام ينظر إلى البيت بوصفه سكناً ، وأمناً ، وسلاما ً، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنساً ، كما في قوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ( 1 )، فقد قدم الله عز وجل المودة في السياق لأنها تخلق الرحمة في النفس .
إن المودة التي تحدثت عنها الآية لم تنته بنهاية أحد الزوجين فإذا مات أحدهما وبقي الآخر يظل على مودته له ، فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان دائماً يتحدث عن السيدة خديجة بعد وفاتها لدرجة أن السيدة عائشة كانت تغار من حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عنها، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يكرم من كانت تأتي إلى السيدة خديجة – رضي الله عنها - في حياتها .
والأسرة في الإسلام يكلف بها الرجل ويسأل عنها فهو أقدر وأكفأ على سياستها غالباً ، لأن المرأة ينالها ضعف الحمل والوضع والإرضاع ، ويغلب عليها الجانب العاطفي وتثار بسرعة .
ثم إن الرجل هو الذي يكرم المرأة فيمنحها الصداق أو المهر ، قال تعالى : {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } (2 )، وليس المهر مقابل المتعة فهي مشتركة بين الزوجين بل حظ المرأة منها أوفر ، وليس لتأثيث بيت الزوجية فهو واجب الزوج وحده بقدر استطاعته ، وإنما المهر رمز للوفاء والتقدير ، ولذا يفضل الإسلام عدم المغالاة في المهور ، فالرمزية تتحقق بما تيسر .
إنه سنة من السنن ونعمة من النعم ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ( 3 ).
و الزواج سنة أبينا إبراهيم – عليه السلام - ، وقد رغب فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء}(4).
كما وأنه نعمة من النعم التي أنعم الله بها على الجنس البشري لكي يعمر الكون وتزداد الروابط بين الناس عن طريق النسب والمصاهرة لذلك رغبنا الله تعالى في ذلك الأمر كما رغب فيه رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
الزوجة المثالية
يحرص الإسلام على تخير نوعية المرأة التي ستصير زوجة للرجل ، وأماً للأبناء، ومصنعا ًلتخريج جيل مسلم ، ونموذجاً لنصف الأمة المسلمة ، وفي هذا الصدد يوجه الإسلام إلى ضرورة التريث حتى يقوم بناء الأسرة على منطق الحب وليس على منطق الصفقة ، ولعل في حديث النبي –صلى الله عليه وسلم –ما يؤكد هذه الوضعية الراشدة : ( تخيروا لنطفكم فانكوا الأكفاء وأنكحوا إليهم )(5).
* وقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله – عز وجل – خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها حفظـته في نفسها وماله)(6) .
*وقوله – صلى الله عليه وسلم -:( الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة )( 7).
*وقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم ) ( 8)
*وقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( تنكح المرأة لأربع لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ( 9) .
* وقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( أربع من أعطيهن، فقد أعطى خير الدنيا والآخرة : قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً ، وزوجة لا تبغيه حوبا ًفي نفسها و ماله )( 10) .
هذه التوجهات الراشدة والحاسمة معاً تفرض بالضرورة على المسلم أن يصحح من منظوره في اختيار شريكة الحياة ، وتضعه أمام مرحلة الاختيار في منطقة الوعي بأن المال عرض، وبأن الجمال عارية ، وبأن الحسب مقياس ترابي ، وبأن الدين وحده هو الأساس الحقيقي الذي يمكن أن تقاس به درجة القبول والرفض .
الزوج المثالي
من هو الزوج الصالح؟هل هو الزوج الثري أو صاحب الموقع أو صاحب الجاه؟ قد يكون الرجل الصالح صاحب جاه أو صاحب موقع أو صاحب مال لكن الأساس في ذلك هي التقوى التي قال الله فيها { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (11) .
لقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفات الرجل الصالح {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} ( 12) ، إذاً الرجل الصالح هو الأساس لأنه هو الذي سيحمي العرض، ويربي الأبناء ، ويكون أميناً على كل شيء ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وقد جاء رجل للإمام علي - رضي الله عنه - فقال: يا إمام خطب ابنتي جماعة فممن أزوجها؟ أنا في حيرة، أزوجها لحسن، أم لعلي ، أم لزيد ؟ فقال الإمام علي – رضي الله عنه - زوجها للتقي، فقال: وبماذا يتميز التقي؟ قال له الإمام: إنه إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها.
تلك هي الأسس السليمة التي بنى الإسلام عليها هذه القاعدة العظيمة في اختيار الزوج، {إن أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه}.
إن فقه التعامل مع الزوجة عمل لا يتقنه الزوج الجاهل لقوله – صلى الله عليه وسلم - : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) (13)، وقوله أيضاً : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم ) ( 14)، ولقوله – صلى الله عليه وسلم – عندما سئل : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : ( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت ) (15)،
وكذلك أصول التعامل مع الزوج لا تحسنها المرأة البليدة ، لقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( لو كنت آمرا ً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) (16 ) ، وقوله ( أيما امرأة ماتت ، وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة ) (17)، فالرجل الذي يخوض معترك الحياة ، لابد أن يكون له ملاذ آمن يأوي إليه ويستشعر فيه الطمأنينة والراحة والسكينة ، وليس ثمة ملاذ أكثر أمناً من الأسرة عامة والزوجة العطوفة خاصة لقوله-صلى الله عليه وسلم - : ( الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة )( 18).
نسأل الله أن يحفظ أسرنا ومجتمعنا من كل سوء
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
الهوامش :
1- سورة الروم الآية (21)
2- سورة النساء الآية(4)
3- سورة الروم الآية (21)
4- أخرجه البخاري ومسلم
5-أخرجه ابن ماجة والحاكم
6- أخرجه ابن ماجة
7-أخرجه مسلم
8- أخرجه أبو داود
9-أخرجه البخاري ومسلم
10- أخرجه الطبراني
11- سورة الحجرات الآية (13)
12- أخرجه الترمذي
13- أخرجه ابن حبان
14 – أخرجه الترمذي
15- أخرجه أبو داود
16- أخرجه الترمذي
17- أخرجه الترمذي
18 – أخرجه مسلم