الشيخ الدكتور / يوسف جمعة سلامة
من مركز" الشعب" للدراسات الإستراتيجية
الأمل قائم والانتفاضة ليست مستبعدة
خطر تهويد القدس وأكثر من 1100 إخطار بالهدم
المصدر / صحيفة الشعب – الجزائر
31- مايو - 2009م
من مركز الشعب للدراسات الاستراتيجية فضل خطيب المسجد الأقصى ووزير الأوقاف والشئون الدينية السابق سماحة الشيخ الدكتور / يوسف جمعة سلامة إطلاق صرخة استغاثة للعرب والمسلمين لإنقاذ القدس من خطر التهويد ، داعياً إياهم إلى الوقوف وقفة واحدة للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأروبي لحل القضية الفلسطينية ، محذراً من أن أي تنازل عن مدينة القدس قد يؤدي إلى التنازل عن مكة المكرمة " لا قدر الله " .
وفي ندوة فكرية بعنوان " القدس اليوم " ... قاربت الساعة من الزمن عاد الإمام الخطيب إلى تاريخ أرض الميعاد وأصول أهلها فاستعرض أهمية القدس في عقيدة الأمة العربية والإسلامية وعرج على نضالات الشعوب العربية والإسلامية مبرزاً مساهمة الجزائريين في تحرير القدس من الاحتلال الصليبي وامتداد ذلك الجهد لغاية اليوم من خلال تقديم الدعم والمساندة لشعب بات ينهل من التجربة النضالية الجزائرية لتقوية عزيمته وتحرير أرضه مبدياً تفاؤلا بإقامة دولة فلسطينية فتية كما يريدها العرب والمسلمون دون أن يستبعد قيام انتفاضة ثالثة في ظل تواصل الهجمات الإسرائيلية على القدس والأراضي الفلسطينية ككل .
أهمية القدس في عقيدة الأمة
يرى خطيب المسجد الأقصى المبارك الدكتور / يوسف جمعة سلامة ، أن توجه الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى مدينة القدس ومن بعده الصحابة والتابعين لإشارة واضحة على أهمية القدس في عقيدة الأمة العربية والإسلامية إلى جانب الارتباط التاريخي ففلسطين – يقول الدكتور المحاضر – لها أهل وليس كما فعل بلفور عام 1917 من القرن الماضي يوم أعطى من لا يملك إلى من لا يستحق ، فالفلسطينيون والكنعانيون سكنوا في فلسطين منذ 3500 عام قبل الميلاد والتاريخ يشهد على ذلك ، مضيفاً أن هذه البلاد لها أهل وأصحاب حافظوا عليها عبر التاريخ .
أما الانطلاق الحضاري فأكد الشيخ سلامة أنه عندما تنظر إلى المدينة المقدسة بآثارها وقبابها وشوارعها فإن كل أثر فيها ينطق بأن هذه البلاد بلاد إسلامية عربية فلسطينية ،عاش فيها المسلمون مع غيرهم حياة كريمة وكانوا مثلاً للتسامح والمحبة والأخوة ، لذلك الفلسطينيون لم يعرفوا الحرب الدينية ولا الاضطهاد الديني بل بالعكس عندما تعرض الأقصى للحريق عام 1967هب الفلسطينيون جميعاً مسيحيين ومسلمين للدفاع عنه ، وعندما يعتدى على كنيسة يهب الفلسطينيون جميعاً للدفاع عنها لأنهم شعب واحد يعش على أرض واحدة .
واعتبر الدكتور سلامة أنه نظرا لهذه القيمة للقدس وفلسطين والمسجد الأقصى كانت القدس محط أنظار المسلمين عبر التاريخ فإليها جاء الرسول عليه الصلاة والسلام وجاء عمر والصحابة الكرام رضوان الله عليهم كما دفن بجوارها العديد من الصحابة ومن أشهرهم شداد بن أوس ليرتبط من هنا المسلمون بهذه البلاد .
جزائريون في طليعة المدافعين عن الأقصى
ارتباط المسلمين والعرب من بقاع العالم بمدينة القدس جعلهم يهبون هبة واحدة إذا ما وقعت فريسة في يد المحتلين ويروي الشيخ سلامة في مداخلته كيف هبّ المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها وخاصة الجزائريين للدفاع عنها لما دنس الصليبيون القدس وقتلوا 70 ألف مسلم في القدس والأقصى وداست أقدام خيولهم دماء المسلمين .
وقال : يومها أرسلت القدس عبر الأثير قبل أن يعرف العالم الفضائيات رسالة إلى القائد صلاح الدين فعمل صلاح الدين على جمع شمل الأمة وإزالة الخلافات بينها ورتب الجيوش كي يقوم بفتح هذه المدينة ولما استعصت عليه قليلاً استنجد بإخوانه من الجزائر والمغرب العربي وحاصروا عكا ودخلوا منها وانضموا إلى الجيش الإسلامي الذي قام بتحرير القدس ، لذلك أوقف صلاح الدين حارة المغاربة وهي البقعة المطلة على حائط البراق على الجزائريين والمغاربة تقديراً لهم واعترافاً بفضلهم ، ولأنهم رجال أشداء إئتمنهم على هذا المكان المقدس ، لذلك جاء الجزائريون والمغاربة ومنهم أبي مدين الغوث إلى المنطقة بعد ذلك ،حيث أوقف أبو مدين الغوث على المغاربة منطقة عين كارم سواء أكانوا مقيمين أو زائرين للمسجد الأقصى .
وبالرغم من تحرير مدينة القدس يومها من خطر الصليبيين بمساعدة الجزائريين والمغاربة يقو ل الدكتور سلامة إلا أن مدينة القدس تتعرض اليوم للكثير من المشاكل ، فسلطات الاحتلال تقول أنها دولة يهودية كما تعمل على تهويد القدس ، وقد قاموا منذ احتلال مدينة القدس بإجراءات تهويدية ، ففي حرب 5 جوان 67 وبعد يومين فقط من الحرب قاموا بمصادرة مفتاح باب المغاربة الذي يطل على حارة المغاربة لسببين ، السبب الأول : أن هذا الباب منه دخل النبي – عليه الصلاة والسلام – في حادثة الإسراء والمعراج فسمى باب النبي – عليه الصلاة والسلام - ، وثانياً لأن هذا الباب كان يطل على باب المغاربة لذا قررت سلطات الاحتلال إزالة هذه الحارة من الوجود لكي تزيل أي اثر عربي أو إسلامي يجاور حائط البراق ، بعد ذلك قاموا بحرق منبر المسجد الأقصى الذي صنع لما جاء صلاح الدين وتوالت أحداث أخرى لمحو أية آثار عربية أو إسلامية من المنطقة ثم جاءت الزيارة الشارونية عام
لتستمر وتيرة التهويد – حسب الدكتور سلامة – بخطوات سريعة بعد أن نفذوا بعض مآربهم فأقاموا الجدار العنصري كي يفصلوا مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني وتسارعت إجراءات التهويد في ظل الحكومة اليمينية لأن ذلك يندرج ضمن مخطط إسرائيلي موجود منذ القدم وينفذ على مراحل ، وبعد أن أشارت إحدى الدراسات الإحصائية أن في سنة 2020سيكون عدد الفلسطينيين في القدس أكثر من عدد اليهود اتخذت سلطات الاحتلال خطوات سريعة لإحداث تغيير ديموغرافي لتهويد سكان مدينة القدس فأصدروا 1100قرار إخطار بالهدم ، كما أقرت الحكومة بناء 57 ألف وحدة استيطانية كي يأتوا باليهود إلى القدس واعتمدت أسلوب الترغيب لدفع الفلسطينيين إلى التنازل عن بيوتهم أو الترهيب بالهدم والإنذار كي تجبر الفلسطينيين على الرحيل إلى مناطق خارج القدس ، لكن ذلك لم ينجح بفضل الله، فالفلسطينيون متمسكون بأرضهم ...
ما المطلوب من العرب والمسلمين ؟
أمام كل ما يجري للقدس من تهويد وحفريات قد تتسبب في أية لحظة بهدم المسجد الأقصى المبارك أبرز الدكتور سلامة أهمية أن يقف العرب والمسلمون وقفة واحدة إلى جانب الشعب الفلسطيني كي يبقوا مرابطين على أرضهم صادمين على ترابهم ، مشيراً إلى أن الأقصى اليوم يتعرض إلى تصدع نتيجة الحفريات ويمكن أن يتهدم نتيجة وجود الحفريات والتشققات بسبب استعمالهم المواد الكيماوية .
وقبل ذلك على العرب والمسلمين أن يعو- يقول الشيخ سلامة – أن المسجد الأقصى ليس قبة الصخرة فقط وإنما كل المساحة المحيطة به والمقدرة بـ 144ألف متر مربع ، وشدد الأستاذ المحاضر على أن فلسطين تحتاج إلى جهد أكبر من الأمة العربية والإسلامية فعليها إلى جانب المساعدات التي تقدمها أن تساعد في بناء المساكن والمؤسسات وتبرم اتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات الفلسطينية لرد خط التهويد وترحيل الفلسطينيين من أرضهم .
الأمل قائم وانتفاضة ثالثة في الطريق
رغم الصورة السوداوية القائمة بأرض الميعاد ورغم المحاولات الشرسة من قبل سلطات الاحتلال لإفراغها من أهلها وتهويدها يتفاءل الدكتور يوسف جمعة سلامة باسترداد فلسطين وفي أن تقوم الدولة الفتية التي يريدها الفلسطينيون والعرب والمسلمون وقال أنه يمكن أن تقوم الدولة الفلسطينية ، ففلسطين مغتصبة منذ 48وهي بذلك لم تصل إلى نصف المدة التي احتلت فيها فرنسا الجزائر ، ومع ذلك جمع الجزائريون كلمتهم ورصوا صفوفهم جاهدوا وناضلوا حتى أخرجوا فرنسا وبقيت الجزائر عربية إسلامية .
وهنا يؤكد الدكتور سلامة أن الشعب الفلسطيني اليوم ينهل من تجربة بلد المليون ونصف المليون شهيد ومن صبر أهل الجزائر ، كيف لا ومن خلال رئيس الجمهورية عبد العزيز بتوفليقة يوم كان وزيراً للخارجية ويوم كان رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة أدخل القضية الفلسطينية إلى مبنى الأمم المتحدة ، لما أخذ بيد الرئيس الراحل ياسر عرفات أبو عمار فكان الموقف الرسمي الأول بالاعتراف بفلسطين ليعقبه إعلان الاستقلال في سنة 1988م وأيضاً من أرض الجزائر ، ولما تعرضت غزة للعدوان تم إقامة جسر جوي من الجزائر إلى فلسطين وتم إرسال وفد من الأطباء ليضمدوا جراح الفلسطينيين وأرسلوا مئات الأكياس من الدماء حيث اختلط الدم الجزائري بالفلسطيني من جديد ، وهذا امتداد لدور الجزائريين في الحفاظ على القدس مع صلاح الدين .
وخلص إلى التأكيد أن الشعب الفلسطيني يملك الأمل ولا يعرف اليأس مهما كانت الصعوبات وأنه بعد الضيق يأتي الفرج وبعد العسر يأتي اليسر ، وأن له أمل في غد مشرق جديد ورغم ذلك لم يستبعد قيام انتفاضة ثالثة في حالة استمرار محاولات تهويد القدس .