2023-09-22

الشيخ سلامة/ يشارك في أعمال مؤتمر ( نحو تعزيز ثقافة الحوار )
2010-06-27

              

عقد مركز أدم لحوار الحضارات مؤتمره الأول بعنوان " نحو تعزيز ثقافة الحوار"وذلك في قاعة فندق الكومودور بمدينة غزة يوم أمس السبت 14 / رجب/ 1431هـ وفق 26/6/2010م، بمشاركة العديد من الشخصيات والأكاديميين ومؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات الأهلية والإعلاميين والمهتمين .

وينقسم المؤتمر لثلاثة محاور، حيث كان المحور الأول بعنوان: ( الإسلام دين الحوار ) وافتتح الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى والنائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس المحور الأول للمؤتمر بكلمة بين فيها مكانة الحوار في الشريعة الإسلامية وأهميته، كما تحدث عن التأصيل الشرعي للحوار، وبين أن الحوار واجب ديني ومطلب حضاري وضرورة وطنية وإنسانية .

وأشار الشيخ سلامة، إلى أن القرآن الكريم في كثير من آياته أكد على أن الحوار بين الناس من المقاصد الأساسية التي لا غنى لهم عنها في حياتهم، مشدداً على أن الدين الإسلامي أرسى قواعد وضوابط وآداب الحوار في نصوص عديدة من كتاب الله تعالي ومن سنة نبينا محمد – صلي الله عليه وسلم - .

وأضاف سلامة: بأن الإسلام أسس منهاجاً متكاملاً للتعامل بين الشعوب والحضارات، مؤكداً أن الحوار بالنسبة للمسلمين فريضة واجبة وضرورة شرعية، فرسالة الإسلام ودعوته عالمية لا تختص بجنس أو لون أو عرق ولا بلد بعينه.

ونوه الشيخ سلامة، إلى أن الحوار قيمة حضارية وإنسانية، من الضروري أن يؤمن بها ويمارسها الفرد والمجتمع على حد سواء، لتحقيق الاستفادة من إيجابيات الحوار المتعددة، وتزداد أهمية الحوار عندما تواجه الأمة ظروفاً معينة وأحوالاً خاصة تمس وحدتها وكيانها وتماسكها.

ودعا الشيخ سلامة إلي وجوب تفعيل وإنجاح الحوار الفلسطيني الفلسطيني،مشدداً على أن سر قوتنا في وحدتنا وأن ضعفنا في فرقتنا، فشعبنا الفلسطيني عبر تاريخه المشرق كان موحداً في السراء والضراء، وعلى هذه الوحدة تحطمت كل المؤامرات ضد شعبنا المرابط ، كما شدد على ضرورة تفعيل الحوار العربي العربي وكذلك الحوار الإسلامي الإسلامي ، لأن الأمة عندما كانت موحدة طأطأ لها الشرق والغرب إجلالاً واحترماً .

وبين سلامة أن الإسلام يقيم حواراً مع غير المسلمين منذ بدء الدعوة الإسلامية، لأنه جاء يدعو الناس إلي الإيمان بالله واليوم الآخر ويهديهم إلي الصراط المستقيم .

وتساءل سلامة ما دام ديننا الإسلامي يدعو إلي الحوار ويشجعه فلماذا يُِساء إلي ديننا ورسولنا محمد –صلي الله عليه وسلم- ؟! ولماذا يُمنع إرتداء الحجاب في بعض البلاد الأوروبية ، وتُمنع المآذن في بلاد أخري، وتُغلق القنوات الفضائية تحت حجج واهية؟!.

لننظر ماذا يحدث في فلسطين من اعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، من أجل هدمه وإقامة ما يمسي بالهيكل المزعوم بدلاً منه، وكذلك ما يجري في القدس من هدم للبيوت، وإقامة للمستوطنات، ومصادرة للهويات، وطرد للمواطنين من أجل إحداث تغيير ديموغرافي لصالح اليهود .

وناشد الشيخ سلامة الفصائل الفلسطينية بضرورة العمل على جمع الشمل ورص الصفوف والتعالي على الجراح، وفتح صفحة جديدة من المحبة والأخوة لنستطيع سوياً التصدي لهذا العدوان الإسرائيلي الهمجي، ولنحافظ على أرضنا ومقدساتنا وأقصانا .

وشدد الشيخ سلامة على ضرورة تنمية ثقافة الحوار، وذلك بإنشاء مركز للحوار الوطني وتأسيس قاعدة لنشر ثقافة الحوار، بالإضافة إلى إشاعة ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع، ليكون ذلك هو الأسلوب المعتمد في التخاطب بين جميع شرائح المجتمع.

وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها الدكتور/ يوسف سلامة في المؤتمر .

الكلمة المقدمة إلى مؤتمر

( نحو تعزيز ثقافة الحوار )

والذي يقيمه مركز آدم لحوار الحضارات

26-6-2010م

الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:-

لقد أسس الإسلام منهجاً متكاملاً للتعامل بين الشعوب والحضارات المختلفة، حيث  قرر اختلاف الناس والأجناس، فقد قرر القرآن الكريم أن الخلاف بين الناس سنة ربانية جبلوا عليها، كما في قوله تعالى :{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*  إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ  }([1]).  

قال الشاطبي، رحمه الله ، فأخبر سبحانه أنهم لا يزالون مختلفين أبداً، مع أنه قد خلقهم للإختلاف ، وهو قول جماعة من المفسرين.

كما وربط المسلمين مع سائر البشر على اختلاف انتماءاتهم الحضارية برباط من الأخوة الإنسانية النابعة من وحدة الأصل البشري، وألزمهم بالتعاون والتعايش والتعارف مع غيرهم، ونشر الخير بين الجميع ومع الجميع بصرف النظر عن دينه أو جنسه أو لونه، فقال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}([2]).

فالحوار بالنسبة للمسلمين فريضة واجبة وضرورة شرعية، فرسالة الإسلام ودعوته عالمية لا تختص بجنس أو لون أو عرق، ولا بلد بعينه، فقد بعث الله محمداً – عليه الصلاة والسلام – رسولاً للعالمين ، ولم يبعثه لقومه العرب من دون غيرهم، كما في قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }([3]) ، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا  }([4])  والخطاب القرآني يتوجه في الكثير من آياته إلى البشر جميعاً، ليؤكد على الإخاء الإنساني، فالإسلام يفرض التواد والتعارف والعدل مع المختلفين معه في الدين، طالما هم يسالمون المسلمين ويعيشون معهم في جوار طيب يقول الله تعالى : {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([5]).

كما أن الإسلام دعا أتباعه إلى الحوار بالحسنى ، ومجادلة ( الآخرين) بالأدب ، كما في قوله تعالى:  {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}([6])، وقال الله عز وجل :{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ([7])، والملاحظ أن القرآن الكريم لم يرتض لأتباعه المنهج الحسن في الحوار، بل المنهج الأحسن، حيث طالب المسلمين أن يكون هذا منهجهم في حوارهم وحديثهم كله مع (الآخر)، يقول الله تعالى:{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}([8]).  

أهمية الحوار

أما أهمية الحوار فتتجلى في أنه ما دامت هناك حياة وأحياء ، فلا بد أن يكون هناك حوار فيما بينهم، إذ لا يستطيع إنسان أن يعيش في عزلة عن غيره ، وإنما هو في حاجة إلى غيره في بيعه وفي شرائه ، في أخذه وفي عطائه ، في بيان فكره وآرائه .

فالحياة من مستلزماتها الأساسية : الحوار والنقاش والجدال والخلاف بين الأفراد، وبين الجماعات، وبين الدول ، وبين الشعوب.

ولقد أشار القرآن الكريم في كثير من آياته ، إلى أن الحوار بين الناس، من المقاصد الأساسية التي لا غنى لهم عنها في حياتهم ، ومن هذه الآيات قوله – عز وجل - : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}([9]).

ومما يدل دلالة واضحة على أهمية الحوار، أنك تقرآ القرآن الكريم، فترى على رأس الأساليب الحكيمة والبليغة التي استعملها القرآن الكريم لإحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، أسلوب الحوار والجدال والمناقشة العقلية، التي تجعل كل ذي عقل سليم ، يؤمن إيماناً راسخاً ، بأن لهذا الكون إلهاً واحداً، قادراً، عليماً، حكيماً{ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}([10])، فكم من كافر أسلم بسبب الحوار، وكم من عاصٍ معتد اهتدى واستقام على الجادة بسبب الحوار، فمن ذلك : الحوار الذي كان سبباً في إسلام عمر – رضي الله عنه - ، وحوار ابن عباس – رضي الله عنهما – الذي كان سبباً في توبة ألفين من الخوارج عن بدعتهم.

إن الحوار بين الناس في أمور دينهم ودنياهم ، من الأمور اللازمة لهم لزوم الطعام والشراب، وما يشبههما من ضرورات الحياة .

لقد تنادينا بأهمية الحوار ، حتى نادى بعضنا بضرورة الحوار مع ( الآخر) ، و(الحوار الإسلامي المسيحي)، والحوارات بين الإسلاميين والقوميين والليبراليين ، ولكن : أين حوار دعاة الإسلام مع بعضهم البعض.

فالتعددية في نظر الإسلام أمر واقع وملموس ، ولكنها بدلاً من أن تكون مجالاً للخلاف والنزاع ينبغي أن تفتح الطريق أمام وحدة الهدف المشترك .

فعلينا أن نتحاور فيما بيننا قبل أن نتحاور مع الآخرين.

أدب الحوار

إن الإسلام دين الحوار، فلقد أرسى قواعده، وقيَّد ضوابطه، وبيَّن آدابه، في نصوص عديدة من كتاب الله تعالى، تضمنت أروع البيان، وأصول المناظرة، وآداب المحاورة، وفي سنة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - القولية والعملية، ما يعين المحاور، حيث دعا نبينا – صلى الله عليه وسلم - إلى الله، وحاور وناظر، فكان- صلى الله عليه وسلم -  خير أسوةٍ للمتحاورين.

إن أدب الحوار في الإسلام يتطلب تفهم المقابل ودوافعه وأهدافه، وإفساح المجال له لعرض وجهة نظره، كما يجب الإلتزام بأدب الخطاب بعيداً عن التهجم وتجريح الآخرين وإلقاء التهم دون بينة أو دليل ، كما يجب إعطاء المحاور فرصة عرض رأيه دون مقاطعة أو ضيق وتبرم، وضرورة التحلي بالعدل والإنصاف والموضوعية، والانصياع للحق، وقبول الحجة ، وعدم المماراة فيها، وعدم الإستهانة بالآخرين أو الاستخفاف بعقولهم وآرائهم، وضرورة احترام الطرف الآخر ، والابتعاد عن التعصب.

تنمية ثقافة الحوار

الحوار قيمة حضارية وإنسانية، من الضروري أن يؤمن بها ويمارسها الفرد والمجتمع على حد سواء، لتحقيق الاستفادة من إيجابيات الحوار المتعددة ، وتزداد أهمية الحوار عندما تواجه الأمة ظروفاً معينة وأحوالاً خاصة تمس وحدتها وكيانها وتماسكها.

والحوار الناجح بين أفراد المجتمع يوفر الوقت والجهد والمال ،ويحقق المهام والأهداف المرجوه منه، كما ويساهم في النجاة من العواقب السيئة التي تترتب على عدم الإلتزام بآداب الحوار على مستوى الأفراد والمجتمعات، وأذكر هنا بعض الأمور التي تساعد على تنمية ثقافة الحوار منها :-

- إنشاء مركز للحوار الوطني، وتأسيس قاعدة لنشر المعلومات عن ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع.

-عقد ورش عمل شبابية في جميع المحافظات بمشاركة المؤسسات التعليمية والثقافية لنشر ثقافة الحوار وتفعيلها .

-إشاعة ثقافة الحوار في المجتمع، بحيث يكون هو الأسلوب المعتمد في التخاطب بين جميع شرائح المجتمع بعضهم مع بعض.

- عقد الندوات واللقاءات وإقامة المؤتمرات التي تدعم وتنشر ثقافة الحوار .

- إصدار النشرات والدوريات الصحفية التي يتم من خلالها نشر وتشجيع ثقافة الحوار .

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر والتقدير إلى الأخوة في مركز آدم لحوار الحضارات على إقامتهم لهذا المؤتمر الهام فجزاهم الله خير الجزاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



([1] ) سورة هود: الآيتان 118-119

([2] ) سورة الحجرات: الآية13

([3] ) سورة الأنبياء: الآية107

([4] ) سورة سبأ: الآية28

([5] ) سورة الممتحنة: الآيتان 8 و9

([6] ) سورة النحل: الآية125

([7] ) سورة العنكبوت: الآية 46

([8] ) سورة الإسراء: الآية 536

([9] ) سورة الحجرات: الآية13

([10] ) سورة الأعراف: الآية54